يشكو محمد من صعوبة العيش داخل السجن مع يدٍ مشلولة «هيدا الشي هدّلي نفسيتي لأن كل شي بعمله بصعوبة وما بحب اطلب المساعدة من حدا». الشاب الثلاثيني يحاول قدر الإمكان عدم التركيز على إعاقته الدائمة لكن في ظل غياب الوسائل المساعدة له، أو ما يعرف بالأجهزة التعويضية يضطرّ إلى طلب المساعدة عند تحضير وجبة الطعام أو عند الاستحمام مثلاً. ليست المعاناة في السجن وحدها ما يقلق محمد بل تشغل باله المصاعب التي تنتظره بعد إخلاء سبيله، وخلال البحث عن وظيفة ملائمة (إذا وجدت) للعيش بكرامة وعدم تكرار أفعاله الجرمية. أما حسن الذي فقد إحدى قدميه في حادث تعرض له منذ سنوات قبل ضلوعه في جريمة سرقة، فكانت مرحلة السجن بالنسبة إليه شاقة ومحرجة. «بهدلة كل ما بدي اطلع وانزل بيحملوني رفقاتي»، ويتابع مستطرداً «الناس العاديين حقوقهم مش مأمنة، شو بالك فينا نحنا؟». عدم وجود سرير في القاووش وعدم وجود «مسكة» يمكن أن يتكئ عليها أثناء استخدام المراحيض أو خلال الاستحمام تزيد من معاناة الرجل الأربعيني الذي نادراً ما يزور باحة النزهة بسبب الأدراج.
السجون الـ 24 المنتشرة في كافة المحافظات، كما معظم مؤسسات الدولة بما في ذلك المحاكم والمخافر والدوائر الحكومية، ليست مجهّزة للأشخاص ذوي الحاجات الإضافية:
◄ لا توجد ممرات تتيح للمقعدين التنقل والصعود إلى الطوابق.
◄ المراحيض ليست واسعة بالشكل الكافي وليست مجهزة للاستخدام لذوي الإعاقة.
◄ لغة الإشارة غير متوفرة للذين يعانون من إعاقة سمعية.
◄ لم تتأمّن وسائل تتيح للكفيف قراءة الوثائق الأساسية المتعلقة به.
لم تجهز السجون الـ24 في لبنان بمصاعد أو بمداخل خاصة للمعوقين. وبالرغم من وجود مصاعد في أكبر السجون (رومية)، فانقطاع الكهرباء والأعطال المتكررة تمنع الاستفادة منها. يحتاج السجناء المعوقون إلى مساعدة زملائهم للتنقل داخل السجن، وهناك صعوبة بإدخال الأجهزة التعويضية إلى داخل السجن لأنها تحتوي على قضبان الحديد وأدوات حادّة.
يعتمد السجناء المعوقون على مساعدة زملائهم بينما يصعب إدخال الأجهزة التعويضية إلى السجن لأنها تحتوي على قضبان الحديد وأدوات حادّة


طبيب سابق في سجن زحلة (مروان البسط) كان قد عاين، على مدى ثلاث سنوات، سجناء عديدين، من ضمنهم أشخاص لديهم إعاقات جسدية، وأكد أنهم يحتاجون إلى عناية طبية أكثر من غيرهم بسبب وضعهم الصحي الذي غالباً ما يكون معقداً وحساساً خصوصاً بالنسبة إلى للذين خضعوا سابقاً لعلاج طبي أو لمن عانى إدمان المخدرات.
تحدث د. البسط عن سجين يعاني من شلل بأطرافه السفلى، اضطر لأن يبقى عدّة أشهر من دون أجهزته التعويضية، ما أثّر على صحته قبل أن يحل الموضوع بإذن خاص من السلطة القضائية.

مساعدات الجمعيات غير كافية
تقوم جمعية «عدل ورحمة» بتأمين العكاز وبعض الكراسي المتحركة للسجناء الذين يعانون من إعاقة جسدية في ظل عدم توفر ممرات خاصة داخل السجن لتسهيل تنقل ذوي الإعاقات الجسدية. علماً أن الجمعية كانت بصدد تنفيذ مشروع لبناء غرفة وحمام مع عدة ممرات حديدية لكي يستعملها السجين ذو الاحتياجات الإضافية، لكن ولأسباب امنية ولمنع باقي السجناء من تكسير واستعمال الحديد لأعمال الشغب، أدت هذه العوائق الإدارية بالإضافة إلى جائحة كورونا إلى عدم قدرة المضي قدماً في تنفيذ المشروع. وكانت الجمعية تقوم بإرسال طبيب لمعاينة السجناء الذين يعانون من مشاكل عقلية ونفسية وتأمين جميع الأدوية، إلا انها توقفت بعد جائحة كورونا واشتداد الأزمة الاقتصادية، وهي تواجه صعوبة في توفير الأدوية بسبب فقدان بعض منها في الأسواق المحلية. كما تشتكي الجمعية من عدم قدرة المبنى الاحترازي على استيعاب المزيد من السجناء الذين يعانون من مشكلات نفسية وإضرابات عقلية.
أما جمعية «Nusroto» فتقوم بإجراء برامج تأهيلية للسجناء الذين يعانون من إعاقة جسدية ونفسية، وتقوم بكافة التصليحات للكراسي المتحركة، وتأمين الأدوية إذا وجدت في الأسواق. وتسعى الجمعية لتأمين أجهزة للسمع بسبب عدم قدرة السجناء على شرائه.



إعاقة + شيخوخة = عفو
يحبّذ مرسوم تنظيم السجون في حالات معينة العفو وتخفيف سنوات السجن لذوي الاحتياجات الإضافية. فبحسب المادة 49 من المرسوم رقم 14310/49 المختص بتنظيم السجون وأمكنة التوقيف ومعهد إصلاح الاحداث: بالنسبة إلى المحكوم عليهم الذين يصابون بالعمى، أو الفالج، أو مرض العضال والذين بلغوا منتهى سن الشيخوخة أو أصبحوا مقعدين غير قادرين على القيام بعمل ما، ينظم قائد الدرك تقريراً خاصاً في شأنهم بغية استحصال العفو عنهم.

على أساس المساواة
أما قواعد الأمم المتحدة لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا) فنصت بتهيئة إدارات السجون جميع الترتيبات التيسيرية والتعديلات المعقولة لضمان معيشة السجناء ذوي الإعاقات البدنية أو العقلية، أو غيرها من الإعاقات في السجن بشكل تام وفعال على أساس المساواة (القاعدة الخامسة الفقرة الثانية). ويجب أن يكون في كل سجن دائرة لخدمات العناية الصحية مكلفة بتقييم الصحة البدنية والعقلية للسجناء وتعزيزها وحمايتها وتحسينها، مع إيلاء اهتمام خاص بالسجناء الذين لديهم احتياجات إلى عناية صحية خاصة أو يعانون من مشكلات صحية تعوق إعادة تأهيلهم (القاعدة الخمسة والعشرون الفقرة الأولى).