تمكنت قوى الأمن الداخلي أخيراً من ختم التحقيق الأوّلي في جريمة قتل طعناً بالسكين وإحالة المشتبه بهم مع الأدلة الجنائية إلى القضاء بعد مرور ساعات على وقوعها في منطقة مجاورة لبيروت. يبدو الخبر عادياً للبعض بينما يعتقد البعض الآخر أن الإشادة به موقف سياسي، أو تبييض وجه دولة يتآكلها الفساد والمحسوبيات والمحاصصة.
لكن مهلاً، لنضع الخبر في سياقه الصحيح:
في ظل الأزمات الاقتصادية والمعيشية الحادة التي يعاني منها معظم الناس في لبنان، ونظراً للانقسامات السياسية والأحقاد الطائفية والمذهبية التي تعيق عمل الدولة والقضاء، وبعد انتشار الفوضى والفساد من أعلى الهرم إلى أسفله، لا شك أن استمرار قيام عناصر ورتباء وضباط قوى الأمن الداخلي والجيش والأمن العام وأمن الدولة وحتى الشرطة البلدية بمهامهم يشكل تحدياً جسيماً.
المؤشرات العلمية تدلّ إلى تزايد جرائم القتل بوتيرة سريعة في ظل الوضع الراهن. ويُخشى أن تتكاثر معها أساليب تضليل التحقيقات وإخفاء معالم الجريمة وجثامين الضحايا. ولا بد من الاستجابة لذلك من خلال الالتفاف حول ما تبقى من مؤسسات الدولة المعنية بالحفاظ على الأمن والاستقرار والسلامة العامة والمكلّفة بالتحقيقات القضائية.
فإذا كانت لدى البعض، ونحن منهم، ملاحظات بشأن أداء مدير أو ضابط أو عنصر بسبب مخالفته للقانون وللأصول المهنية، أو بشأن مواقف تشير الى انحيازه لطرف مذهبي أو سياسي خلال المرحلة السابقة، فهذا لا يبرر عدم السعي للحفاظ على ما تبقى من مؤسسة قوى الأمن الداخلي والمؤسسات الأخرى المعنية بالأمن.
{البلد على كفّ عفريت}، الجملة هذه المرة ليست مجرّد شعار رنّان وتخويف أو تعبير عن يأس. بل تنذر المعطيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بتهديد جدّي للأمن في لبنان خلال المرحلة القادمة.
إن ترك قوى الأمن وحدها من دون التنبه لحاجات الشرطة القضائية والدرك الإقليمي وشرطة بيروت والقوى السيارة والمفتّشيّة العامة بالحد الأدنى، ومن دون تأمين الطبابة والتعليم وبدل النقل المناسب للعناصر أولاً، والتجهيزات للمحققين الجنائيين ثانياً، ينذر باستمرار الإفلات من العقاب وبخطر متزايد على سلامة الأشخاص والأملاك والأمن العام.