حدّد الباب الثامن من قانون العقوبات الجنايات والجنح التي تقع على الأشخاص ونصّ على معاقبة القاتل بالإعدام على القتل قصداً إذا ارتُكب في إحدى الحالات التالية:1 - عمداً.
2 - تمهيداً لجناية أو لجنحة، أو تسهيلاً أو تنفيذاً لها، أو تسهيلاً لفرار المحرضين على تلك الجناية أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب.
3 - على أحد أصول المجرم أو فروعه.
4 - في حالة إقدام المجرم على أعمال التعذيب أو الشراسة نحو الأشخاص.
5 - على موظف في أثناء ممارسته وظيفته أو في معرض ممارسته لها أو بسببها.
6 - على إنسان بسبب انتمائه الطائفي أو ثأراً منه لجناية ارتكبها غيره من طائفته أو من أقربائه أو من محازبيه.
7 - باستعمال المواد المتفجرة.
8 - من أجل التهرب من جناية أو جنحة أو لإخفاء معالمها.
إذا أقدم القاتل على التمثيل بالجثة بعد القتل قصداً، تصبح العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، وإذا رافق القتل أحد أعمال التعذيب والشراسة تصبح العقوبة الإعدام.
وضع صهره الفرن طمعاً بحصته من المعمل
في العام 1970 كان المغدور وصهر الجاني شريكين في ملكية معمل لصهر الحديد ولم تكن هذه الشراكة موفقة، إذ كثيراً ما كان يحصل خلاف وتباين في الرأي بين الشريكين. وفي الفترة السابقة للجريمة تأخرت أعمال المعمل فقرّر المغدور بسبب ذلك وبسبب سوء صحته لانشغاله في أعمال زراعية أن يتخلى عن حصته فيه ببيعها أو بتصفيتها، فأعلم شريكه الجاني خطياً وشفوياً بهذه الرغبة، وأنه صرف بعض العمال وأنذر البعض الآخر، وحدد يوم 1970/12/20 موعدا لإيقاف العمل.
استاء الجاني من هذا الإجراء لأنه كان يرى ضرورة استمرار العمل في المعمل، لعدم استطاعته شراء حصة شريكه ونسيبه بسبب فقر أحواله المادية، ولأن المعمل كان غارقا ًفي الديون، ومنها دين لزوجة المغدور بمبلغ /225/ ألف ليرة لبنانية. فإذا بيع المعمل بكامله أو نصفه وسددت الديون، فلن يبقى شيء يساعده على القيام بعمل جديد حسب ظنه وتقديره. وقد تفاقم استياؤه لاحقًا، وتحول إلى حقد، فصمم على التخلص من شريكه وراح يستعرض الوسائل التي تمكنه من ذلك ومن إخفاء الجريمة في وقت واحد.
عرض الجاني الأمر على ابنه الذي راح يثنيه عن عزمه فلم ينثن، وظل مثابراً على تصميمه واختار ن يقتل المغدور في المعمل لاعتقاده أن بإمكانه القضاء عليه وإزالة الجثة من دون أن يكتشفه أحد.
وتنفيذا لذلك قام الجاني في ليل 1970/12/02 حوالى الساعة الحادية عشرة، بأخذ سيارة المغدور التي كانت على مقربة من منزل المغدور مستعملا مفتاحها الذي كان في التابلو في داخلها، وذهب بها ووضعها في زاروب منعزل في آخر شارع الحمراء وذلك بهدف إبعاد سيارة المغدور عن متناول يده فيضطر الضحية عندئذ لاستعمال سيارة الجاني وبذلك يسهل عليه معرفة تنقلاته واستدراجه إلى حيث يريد.
حدد الجاني بينه وبين نفسه الرابع من كانون الاول 1970، ولكن الفرصة لم تسنح له في هذا النهار، فأرجأ الأمر إلى ما بعد ظهر اليوم التالي، أي يوم السبت في 1970/12/05، إذ يكون المعمل في هذا الوقت خالياً من العمال ولا يبقى فيه غير الناطور، ولا سيما أن الجاني كان قد عرف أن المغدور سيحضر إلى المعمل عند الساعة الرابعة من بعد الظهر لارتباطه بموعد مع أحد الزبائن. تشاء الصدف أن يحتاج المغدور إلى سيارة الجاني بعد اختفاء سيارته على الوجه المبين آنفاً، فيتصل به هاتفياً إلى المعمل حوالى الساعة الثالثة ويطلب منه إعارته سيارته لنقل بعض المطاعيم من بستانه في فرن الشباك إلى بستانه في صيدا، ويؤكد له أنه سيحضر إلى المعمل في الموعد المضروب فيوافق الجاني على طلبه الذي ينسجم مع الخطة المدبرة.
ولكي تتم حلقات هذه الخطة كان لا بد من إبعاد الناطور فاختلق الجاني سبباً وهمياً، وكلفه الذهاب إلى براد (لافروتا) في الشياح بحجة انتظار سيارتي شحن محملتين حديداً عليه أن يزن حمولتهما في قبان البراد ويحضرهما إلى المعمل.
عند الساعة الرابعة إلا عشر دقائق، وصل المغدور إلى المعمل بسيارة ابنته التي انصرفت بعد ذلك، ودخل حيث كان ينتظره الموت. جرى حديث بينه وبين الجاني لم يسمعه أحد لخلو المكان من سواهما، وبعد انقضاء الساعة الرابعة وتأكد الجاني أن الزبون المنتظر لن يحضر، أخذ يستدرج المغدور للتجول في المعمل. وبينما كان المغدور يمشي أمامه التقط بيديه الاثنتين قضيباً حديدياً من موجودات المعمل وعاجله بضربتين من الخلف في مكان خطر على رقبته وأسفل رأسه، وما لبث أن فارق الحياة.
بعد أن تأكد الجاني من وفاته غطى الجثة بلوح من التنك وأطفأ النور وقطع التيار الكهربائي بواسطة العداد ثم خرج من باب المعمل الصغير وأقفله وراءه لأن الباب الكبير كان مقفلاً.
بينما هو في الخارج أمام المعمل وكانت الساعة تقارب الخامسة، التقى الناطور راجعاً بعد أن سئم انتظار السيارتين اللتين لم تأتيا، فعاد وأرسله ثانية ليبعده عن مسرح الجريمة. أما الجاني فقد انتقل بسيارته إلى مكان قريب في بستان المغدور في فرن الشباك وترك السيارة هناك وترك أبوابها مفتوحة ووضع مفاتيحها على المقعد جانب السائق وذلك لكي يحمل التحقيق على الاعتقاد بأن الضحية الذي كان استعار سيارته فُقد في ذلك المكان لكي يبعد عن نفسه الشبهة. رجع الجاني بعد ذلك إلى منزله ومكث فيه ساعتين وهو يفكر مضطرباً لا يهدأ. فالجثة ما تزال في أرض المعمل ومن الممكن أن يراها أحد فتفشل الخطة.
إذا أقدم القاتل على التمثيل بالجثة بعد القتل قصداً، تصبح العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة


عند منتصف الساعة التاسعة رجع إلى المعمل ليمحو كل أثر للجريمة. فعمد إلى وصل التيار الكهربائي وجر الجثة إلى موازاة رافعة المعمل، وربطها بالحبل الشريطي ورفعها إلى مستوى فوهة الفرن الذي يستعمله لصهر الحديد، وألقاها فيه وعاد إلى منزله قرابة الساعة العاشرة ليلاً ولكنه لم يتمكن من النوم، إذ كان عليه أن ينهي الفصل الأخير من جريمته وهو حرق الجثة.
بعد منتصف الليل توجه الجاني إلى المعمل فأشعل النار في الفرن، ووضع فيه كمية من الفحم الحجري، ثم أيقظ العامل والناطور وكلفهما بمتابعة إلقاء الفحم. وراح يسعى بنفسه لجلب باقي العمال من بيوتهم موهماً إياهم بوجوب ضرورة صهر الحديد.
وهكذا توهم الجاني أنه اسدل الستار على جريمته، بعد أن أزال الجثة كلياً من الوجود، ولكن جريمته اكتشفت في ما بعد واعترف بها وبجميع تفاصيلها اعترافاً صريحاً.
اعتبرت محكمة الجنايات أن مراحل تنفيذ الجاني لهذه الجريمة بكل تفاصيلها تشكل الدليل القاطع على نية قتل المغدور متعمداً مع سبق التصور والتصميم، وقررت إنزال عقوبة الإعدام بالجاني سنداً للمادة 549 من قانون العقوبات.



تمرير السيارة على الضحية 3 مرّات
قضت محكمة جنايات جبل لبنان في العام 1991 بأن فعل الجاني بإقدامه على تمرير سيارته الـ «رانج روفر» ثلاث مرات على جسد المغدور بعد صَدْمِهِ، يعتبر من أعمال التعذيب أو الشراسة نحو هذا الأخير، وينطبق بالتالي على أحكام الفقرة الرابعة من أحكام المادة 549 من قانون العقوبات وهي الإعدام.

التمثيل بالجثة لغاية التشفّي
ثبت لمحكمة الجنايات عام 2003 بشكل مؤكد بأن الجاني قطّع جثة المغدور ورماها قطعاً في براميل النفايات. هذا يشكل تمثيلاً في الجثة، إذا ليس من الضروري أن يكون التمثيل بغاية التشفي. وهذا ما ينطبق على نص المادة 548 فقرتها الثالثة ويقتضي اتهام المدعى عليه بها، وهي الأشغال الشاقة المؤبدة على القتل قصداً، وعادت وقضت بالإعدام لأن المجرم تعمّد القتل.


سلباه وقتلاه ثم وزعا أعضاءه على مستوعبات النفايات
قضت محكمة التمييز الجزائية في العام 2012 بعدم لزوم تشديد الفعل الناتج عن تقطيع الجثة طالما أنها قد حكمت بالإعدام أصلاً، واعتبرت أن لا حاجة لتطبيق الظروف المشددة المتعلقة بتقطيع الجثة والتمثيل بها لأنها اقل شدة من تلك المتعلقة بالقتل قصداً.
المثير للاشمئزاز في هذه القضية هو الوقائع، حيث كان المجني عليه من الأشخاص الذين مارسوا الدعارة مع زوجة الجاني التي كانت تعرف أنه معتاد على حملها معه، و قرر الجاني وزوجته استدراج المجني عليه إلى شقتهما بهدف تخديره وسلبه سيارته والأموال. وقد تولى الزوجان وضع خطة الجريمة وإعداد العدة لها. في مساء يوم 20/12/2012، تم بالفعل استدراج الضحية إلى شقتهما ، حيث جرى قتله و تقطيع جثته بآلة حادة، ورمي الأشلاء في عدة مستوعبات للنفايات. وقد عثر في معمل النفايات على ساق يسرى مع القدم وعليها جورب رمادي، مقطوعة من تحت الركبة مباشرة، لون بشرتها أبيض وعليها شعر، ويد يمنى مقطوعة من وسط الزند ومن الرسغ بدون كف لونها كلون الساق وعليها شعر خفيف.
اعتبرت محكمة التمييز الجزائية أنه، ولئن كان الجاني وشريكته قد عمدا إلى تقطيع الجثة، وهو ما يشكل تمثيلاً فيها، بصرف النظر عن الغاية المتوخاة والتي كانت التخلص من الجثة، فإن الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة 548 من قانون العقوبات، والمفضية إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، أقل شدة من تلك المنصوص عليها في المادة 549 من القانون نفسه والمفضية إلى الإعدام.