وبحسب معلومات لـ«الأخبار» فإن ما جرى تداوله في اجتماع المجلس المركزي أمس، هو أن الاحتياطات بالعملات الأجنبية أصبحت 12.2 مليار دولار. لكن هذه الحسبة، لا تأخذ في الاعتبار أن هناك فواتير متأخّرة من عام 2020 لم يسدّدها مصرف لبنان تقدّر قيمتها بنحو 4 مليارات دولار. ما يعني أن الاحتياطات الفعلية لدى المصرف أصبحت تقترب من مبلغ 8 مليارات دولار، وهو مبلغ ضئيل جداً مقارنة مع تسارع الطلب على الدولارات. فالتقديرات تشير إلى أن مصرف لبنان بدّد حتى الآن أكثر من 400 مليون دولار لتثبيت سعر الصرف على 20500 ليرة، وهو يستعمل الدولارات المحوّلة من المغتربين عبر المؤسسات المالية المختلفة وأبرزها OMT. لذا، لا يجب أن ننسى أن وفد صندوق النقد الدولي برئاسة أرنستو راميريز ريغو أعرب عن شعوره بالقلق من أن مسؤولي لبنان لن يعترفوا بالأزمة ويتعاملوا معها إلا بعد تبديد ما بين 3 مليارات أو 4 مليارات دولار إضافية خلال الأشهر المقبلة.
على أي حال، مسؤولية سلامة لا تقف عند حدود تأمين الدولارات للسوق المحلية، بل عليه مسؤولية تأمين الدولارات لشراء السلع الأساسية التي يفترض أن يكون لدى لبنان مخزون استراتيجي منها مثل القمح. فبسبب تأخّر «المركزي» في فتح اعتمادات البواخر وتسديدها في الأشهر الماضية، لم يتمكن لبنان من تكوين مخزون من القمح، فيما تعد أوكرانيا وروسيا أكبر منتجي القمح ومصدريه حول العالم، ما أدى إلى انعكاس الأزمة، فوراً، طلباً عالمياً كبيراً على هذه السلعة الاستراتيجية وارتفاعاً سريعاً في أسعارها.
ورغم وضوح المشهد، يشكو مستوردو القمح من سلوك مصرف لبنان الذي يتأخر في فتح الاعتمادات. «إذا لم يفتح مصرف لبنان الاعتمادات سريعاً «تطير» الشحنة إلى شارٍ آخر في بلد آخر» يقول أحد التجّار. وقد تبلغ سلامة بهذا الأمر إلا أنه تصرّف بشكل بارد تجاه ما يحصل، وهو لا يبدو قلقاً، خلافاً للمؤشّرات المقلقة التي ترد إليه. إذ اطلع على المعطيات التي تفيد بأن العديد من الدول اتخذت إجراءات وقائية ومنعت التجّار والمنتجين (إنتاج زراعي وصناعي) من تصدير منتجاتهم لإبقاء مخزون وافر من السلع الأساسية في بلادهم، بعدما ارتفعت أسعار هذه السلع عالمياً، وبات يصعب شراؤها من السوق الدولية. فعلى سبيل المثال، أوقفت تركيا تصدير الحبوب إلى الخارج علماً بأنها تصدّر كميات وافرة إلى لبنان. كذلك قرّرت الجزائر وقف تصدير السكّر، علماً بأن 70% من استهلاك السكّر في لبنان يأتي من هذا البلد.
الطلب العالمي الكبير وإغلاق الدول حدودها بوجه التصدير انعكسا سلباً على الأسعار.
تركيا أوقفت تصدير الحبوب والجزائر أوقفت تصدير السكر ما سينعكس على لبنان مباشرة
فازدادت أسعار الحبوب والسكّر والزيوت بالتوازي مع ارتفاع أسعار النفط والغاز وسط مخاوف من استمرار العمليات العسكرية لفترة طويلة والقلق من أن تتسع مروحة تداعياتها... كل ذلك سيكون له تأثير كبير في القدرة الاستيرادية للبنان. فالمشكلة لم تعد الآن متصلة فقط بارتفاع الأسعار الذي يتطلب المزيد من الدولارات، بل بتضاعف كلفة الشحن أكثر من خمسة أضعاف، وكلفة تأمين الشحنات أيضاً. ولم تعد المشكلة فقط في تأمين دولارات كافية لاستيراد هذه السلع وتلبية حاجات الاستهلاك المحلّي، بل أصبحت الكلفة أكبر بسبب ارتفاع أسعار البنزين والمازوت ما سينعكس سلباً على كلفة انتقال الأفراد والنقل الداخلي للبضائع وكلفة توليد الطاقة بمولدات الأحياء ولدى مؤسسة كهرباء لبنان... بمعنى أوضح سترتفع كلفة الإنتاج بشكل هائل.
إزاء هذا الوضع، عقد وزير الاقتصاد أمين سلام اجتماعاً طارئاً مع مجموعة تجار يمثّلون القطاعات المعنية بالأمن الغذائي لـ«وضع خطة عمل للأشهر المقبلة»، وتطرّق إلى «حالة الهلع في الأسواق الدولية وتداعيات الأزمة الروسية- الأوكرانية على الملاحة البحرية والجوية والتخوف من انقطاع بعض المواد الغذائية الأساسية وفي طليعتها القمح والسكر والزيوت» بحسب سلام.
وكما بات معروفاً، ليس لدى لبنان مخزون كبير من القمح (يكفي لشهر تقريباً)، كما أن «رصد وشراء كميات من القمح من قبل الدولة اللبنانية يحتاج إلى رصد أموال معينة»، بحسب سلام، مشيراً إلى أن «لدينا بواخر من القمح مشتراة من قبل التجار، وطلبنا من مصرف لبنان تسهيل الدفع، وهناك نحو 10 بواخر في المياه الإقليمية يفترض أن تدخل لبنان، وأعطينا كوزارة اقتصاد موافقة عليها. وهذه البواخر العشر لم تستلم بعد الدفعات والتسهيلات من مصرف لبنان، بالتالي لا يمكنها دخول لبنان». لذا، قرّر سلام أن يطلب اجتماعاً موسّعاً يحضره القطاع الخاص ووزارة الاقتصاد ومصرف لبنان ووزارة المالية «لاحتواء هذه الأزمة».