دعوة وزير أمن كيان العدو بني غانتس حزب الله إلى عدم محاولة فرض «معادلات» جديدة، تعليقاً على الجولة الاستطلاعية للمسيّرة «حسان»، تكشف عن مجموعة حقائق حضرت على طاولة التقدير والقرار في «إسرائيل». وإطلاق هذا الموقف بعد أيام على الحادثة، يعني أنه أتى بعد تقدير أجرته الجهات المختصة في كيان العدو، خلص إلى أن هدف جولة المسيّرة (بعمق 70 كلم ولمدة 40 دقيقة)، يتجاوز النشاط الاستطلاعي النوعي وغير المسبوق، إلى إيصال رسالة عملياتية مُحدَّدة إلى صنّاع القرار السياسي والعسكري وإلى الرأي العام.كما يظهر من الإشارة إلى معادلات مُحدَّدة يريد حزب الله إرساءها، أن قادة العدو فهموا جيداً مضمون الرسالة. لذلك، أتى كلام غانتس في سياق تهديدي يعكس إدراكاً بأن على كيان العدو التهيؤ لدفع ثمن أي خطأ في التقدير يمسّ بأمن لبنان والمقاومة.
هكذا يكون العدو قد كشف، فعلياً، بأن ما جرى هو عملية نوعية مدروسة جيداً في التوقيت والأسلوب والأهداف، وتندرج ضمن إطار «الردع الاستباقي»، وإظهار مبالغة العدو في تقدير فعالية قدراته في مواجهة قدرات حزب الله المتصاعدة كمّاً ونوعاً.
اللافت في العملية أن حزب الله أوصل رسالته العملياتية وعزّز موقع المقاومة في معادلة الردع من دون تداعيات أمنية. كما نجح في تبديد رهانات قيادة العدو على مزايا منظوماته الاعتراضية، بما قد يورّطه في خيارات تستند إلى تقديرات خاطئة. وبدَّد أيضاً (بمستوى أبعد مدى من الرد الصاروخي في السادس من آب الماضي على الاعتداء الجوي الإسرائيلي في فلوات منطقة الجرمق) أي رهان على أن الوضع الداخلي اللبناني، الاقتصادي والمالي والسياسي، يحول دون ردّ حزب الله على أي اعتداءات.
أما تهديدات غانتس فتحمل في طياتها عوامل إحباطها، لأنها أتت في سياق الرد على رد أقر وزير الأمن الإسرائيلي أنه يهدف إلى إرساء معادلات. وفي المقابل، يمكن نظرياً افتراض أن ربما العدو يعتقد بأن على المقاومة عدم الرد على أي اعتداء خشية أن توسّع «إسرائيل» اعتداءاتها. وهي معادلة أحبط حزب الله محاولات فرضها منذ احتلال ما كان يسمى بالحزام الأمني، وصولاً إلى حرب 2006.
في ضوء ما تقدم، يكون حزب الله قد أكد، بالممارسة العملية، أنه في ضوء المتغيرات التي تشهدها المنطقة ولبنان وكيان العدو (خصوصاً تطور قدراته)، سيواصل «القيام بكل ما يلزم لضمان سلامة لبنان وأمنه سواء براً أو بحراً أو جواً». وهي العبارات نفسها التي استخدمها غانتس في ما يتعلق بـ«إسرائيل». والأمر نفسه ينسحب أيضاً على العبارة التي ختم بها غانتس موقفه «لدينا الحلول أمام التحديات والخطط في مواجهة التهديدات». فقد أثبت حزب الله - عبر جولة المسيرة «حسان» - أنه قادر على ابتكار الحلول لكل تحد يحاول العدو فرضه.
قد يكون مفهوماً أن يتجنب غانتس عرض المخاوف والتقديرات التي حضرت لدى الأجهزة المختصة، حول حجم التحدي والتهديد الذي مثله اختراق «قدس الأقداس» في خطة الدفاع الإسرائيلية. وقد تناول القائد السابق لمنظومة الدفاع الجوي العميد تسبيكا حيموفيتش جانباً من المخاوف التي عمَّقتها المسيَّرة «حسان»، مشيراً إلى أن حزب الله هدف من ورائها إلى «خلق معادلة جديدة في مواجهة دولة إسرائيل». وانتقد محاولات إعلامية لتقزيم الحدث عبر تسمية المسيرة بـ«طائرة صغيرة» محذراً من أن هذا الأمر «لا يخدم الهدف والحاجة إلى فهم الواقع والاستعداد للآتي». وفي السياق نفسه، انتقد بعض المحللين الإسرائيليين لافتاً إلى أن «فحص الضرر يجب أن يكون في ضوء احتمال الضرر الناشئ على صعيد الوعي - ماذا يتعلم العدو، وكيف يستخدم الحادثة من أجل خدمة أغراضه». وهو عنوان يختصر الكثير من الإنجازات التي تحققت من خلال هذه العملية التي بدت كمحطة تحول في تقدير العدو لتطور قدرات حزب الله. حيموفيتش، اعتبر أن عودة المسيرة بعد تحليقها في أجواء إسرائيل لدقائق طويلة، رغم كل محاولات إسقاطها، «يدل على الفشل»، مع ما يعنيه هذا الموقف من قائد سابق لهذه المنظومات وممن أشرفوا على تطويرها. وحذّر من التعامل مع الحادثة على أنها «منفردة» في إشارة إلى إدراكه أنها بداية مسار عملياتي سيفرض وقائع ومعادلات مغايرة.
وبعدما عدَّد مزايا هذا النوع من السلاح، لفت إلى أن المسيرات تشكل «التهديد الجوي الجديد (الذي) يضع أمام سلاح الجو ومنظومة الدفاع الجوي تحديات جديدة. أولها تحدي الكشف عنه وتحدي اعتراضه». ونبّه من أنه في حال «تجاهلنا التهديد الجوي الجديد، فسنواجه تهديداً متزايداً واسع النطاق في مختلف الساحات، ولديه قدرات كبيرة»، وقدم نموذجاً على هذا السيناريو باستخدام «عشرات الطائرات الصغيرة والمسيرات في آن معاً ضد إسرائيل». لكن ما لم يلتفت إليه حيموفيتش أن ما يحذر من أن يتحقق في المستقبل، ربما يكون قد أصبح من الماضي. إذ إن حزب الله عادة لا يكشف كل أوراقه، فكيف إذا كان ذلك يمثل جزءاً أساسياً من عقيدته العسكرية؟ عندها على العدو أن يفترض بأن ما شهده قد لا يكون إلا رأس جبل الجليد.