بحماسة، دخل أحدهم إلى مكتب جمعية «سوا للبنان»، في صيدا، طالباً مساعدة مالية لإجراء عملية لابنه... قبل أن يخرج خائباً. عامل الاستقبال لم يحتج إلى مراجعة أحد. التعليمات حاسمة: «لم نبدأ حتى الآن توزيع هذا النوع من المساعدات بانتظار قرار المعلّم (بهاء رفيق الحريري)». الرجل الصيداوي وغيره قصدوا الجمعية التي ظنّوا بأنها بديل خدماتي من تيار المستقبل بعدما علّق عمله السياسي. وما عزّز ظنونهم بأن مقرّها أنشئ على «أطلال» مكتب للنائبة بهية الحريري في المبنى الذي لا يزال يضم مكاتب تابعة للعائلة.على غرار والده رفيق الحريري، اتخذ بهاء من بيروت مركزاً رئيسياً لجمعيته في مبنى مرمّم في «سوليدير». في الشكل، تقمّص الحريري الابن طريقة دخول الحريري الأب. مكاتب فارهة وفريق عمل شاب من حملة الشهادات و«أولاد عائلات» وخبراء من لبنان والخارج... في الشكل، أيضاً، يعيد بهاء إنتاج شعارات والده التي قدّم بها نفسه قبل أكثر من أربعين عاماً: تأمين الخدمة في غياب الدولة والتنمية المستدامة بغلاف لاطائفي. لكن ما يميّز بداية الابن عن بدايات الأب أن الأخير لم يطرح شعاراً سياسياً، بل قدّم نفسه مرجعية خيرية، بخلاف نجله الذي شهر سيف تغيير المنظومة الحاكمة. دخل الأب «اللعبة» مدفوعاً بمشروع سعودي - أميركي. أما نجله فيبدو حتى الآن أنه يجرّب حظه من دون غطاء.
يقدم المدير التنفيذي لـ«سوا للبنان»، سعيد صناديقي، صفة «سياسية» على صفتَي «إنمائية» و«اجتماعية» في معرض تعريفه للجمعية. ويقول لـ«الأخبار» إنها تأسست «بمبادرة من رجل الأعمال بهاء الحريري عقب تفجير مرفأ بيروت الذي استنهض عمله الاجتماعي والسياسي، وبرزت ضرورة بأن يتعاطى بالمباشر في لبنان». حينها، أسس ثلاث مؤسسات: «صوت بيروت أنترناشيونال» و«مؤسسة نوح الخيرية» و«سوا». التزمت الثلاثية بالتقديمات والمساعدات. لكن «سوا» قررت الصيف الماضي أن «تأخذ منحى سياسياً وتقدم البديل». منذ ذلك الحين، كان الصوت الأوحد بهاء الحريري، إضافة إلى مستشاره الإعلامي جيري ماهر. قريباً، سينضم إليهما مجلس أمناء مؤلف من 30 شخصاً من مختلف المناطق ومجلس خبراء مهمته وضع حلول للأزمات اللبنانية.
قد لا يكون بهاء الحريري رئيساً لـ«سوا» أو حتى عضواً في مجلس أمنائها. «نسعى لآلية حكم تشاركي في لبنان. والمسألة ليست مسألة كراس» يقول صناديقي. «الزهد» في المناصب يشمل أيضاً الانتخابات النيابية المقبلة. إذ «ليس هدفنا تقديم مرشحين. نحن ندعم أي طامح للتغيير ونهدف إلى حث الناس على الخروج من حالة اليأس والاقتراع». يلتزم صناديقي بالشعارات الفضفاضة التي يرددها بهاء الحريري بشأن الترشح: «آخر سلّم أولوياتنا أن نقدم مرشحين منا. هناك مجموعات وشخصيات كثيرة في المناطق، نلتقيها ونسعى إلى مساعدتها على تشكيل لوائح». ويحرص على تقديم «أدلّة» على أن «سوا» «ليست حركة سنية أو بديلاً من تيار المستقبل، بل تجربة مغايرة. افتتحنا مكاتب في بعلبك ــــ الهرمل وكسروان ــــ جبيل وعكار وصيدا وبيروت وطرابلس حيث نعمل على تقديم الخدمات برؤية جديدة». مع «سوا»، لا تنكة زيت أو رزمة دولارات أو صندوق إعاشة. إنما حملة للكشف عن سرطان الثدي بالتعاون مع المستوصفات الرسمية ومعمل لإنتاج الوقود البيئي في بعلبك ودعم صنّاع المفروشات في طرابلس ... «بلا هوبرة ومع حفظ كرامات الناس». وعلى جدول الأعمال أيضاً، مشاريع كبرى تلبي هدف «سوا» الساعية إلى أن تكون «حركة سياسية مع مشاريع مستدامة». لكن المشاريع الكبيرة «تحتاج إلى موافقات من المسؤولين الذين يعرقلون التواقيع لكي لا نستفيد منها في زمن الانتخابات». ويشكو من أن «كل ما نفعله يصنّف انتخابات والناس غير قادرة على التمييز: هل نحن حملة انتخابية أم عمل تنموي وحركة سياسية؟».
يؤكد صناديقي أن «مشروعنا يتعرض للتضييق والحصار. ربما بقرار مركزي من القوى أو بمبادرة من أفراد، نتلقى تهديدات من أشخاص كما حصل في بعلبك ــــ الهرمل أو نُمنع من دخول أحياء كما حصل في طرابلس». وعمّن يحاصرهم؟، يجيب: «كلن يعني كلن». وحتى «القوات اللبنانية وأشرف ريفي لعبوا معنا دوراً سلبياُ».
يؤكّد صناديقي أن «ليس من مصلحة الجمعية وتوجّهها المستقبلي أن تتصرّف كسنّية، لكن من الطبيعي أن تبدأ من مكان ما. والفراغ حالياً هو في الساحة السنية». لن ينطلق بهاء كـ«أسد السنّة كما اختار سعد الحريري الطريق الأسهل للزعامة»، بل يملك «استراتيجية للزعامة المستدامة». وهو «رغم أنه مرشح طبيعي، إلا أنه سيستعيض عن شخصه بمؤسسة في الوقت الحالي، خصوصاً أنه لا يريد أن يكون بديلاً من شقيقه سعد».
يجزم صناديقي بأن الخلاف مع سعد وبهية الحريري «ليس عائلياً»، إنما بسبب الخيار السياسي. مع ذلك، تتعامل «سوا» مع صيدا بحذر لكي لا يتعزز الظن بأن الخلاف عائلي. وعليه، لن يغرّه الفراغ في مسقط رأسه بعد إعلان عمته أنها لن تترشح: ««أمر ترشحه شخصياً غير مطروح. إنما هو سيشرف على الانتخابات».
الخلاف مع سعد وبهية الحريري ليس عائلياً إنما بسبب الخيار السياسي!


بتقنية «زووم»، يشرف بهاء على «سوا». يلتقي عبر الشاشة، أسبوعياً، مناصرين ومهتمين يتناول معهم الغداء، كل في مكانه، ويجيب عن أسئلتهم. غداً الجمعة، سيكون الغداء في طرابلس حيث سيلتقي من خلف الشاشة بـ 200 شخص. هؤلاء كمن سبقهم إلى مائدة «زووم»، قد يسألون الشيخ بهاء لماذا لا يأتي إلى لبنان بعد غياب 17 عاماً؟ بالنيابة عنه، يجيب صناديقي بأن «البنى التحتية الأمنية يجب أن تتأمن قبل عودته، من تأمين خط السير إلى مقر الإقامة والسيارات والحرس». ويلفت إلى أن البنى التحتية الأمنية للرئيس رفيق الحريري دلم نرثها نحن، بل ورثها سعد. لذلك، نبني من البداية وهذا يتطلب وقتاً. الخوف من الاغتيال ليس من قرار دولي، بل من صغار الزعران. ليس بهاء وحده المهدد، بل جميعنا مهددون». الجهاز الأمني الخاص الذي يبنيه الحريري لا يعتمد فيه على شركات أجنبية، بحسب صناديقي. حتى ذلك الحين، يتواصل فريقه مع الأجهزة الأمنية اللبنانية بهدف التنسيق الأمني. «دورياً نزور قيادة الجيش ونسألهم ما إذا حان الوقت ليعود، فيقولون: مش هلق. فليؤجلها»، مشيراً إلى أن «لدى الأجهزة معطيات بتهديد أمني محدق ببهاء وفريقه. أتلقى نصائح متكررة من أجهزة أمنية بألّا أتابع جولاتي في بعض المناطق».
يبدي «البهائيون» الكثير من الصبر كمن يبني قلعته حجراً حجراً. «المجهود الذاتي» مدعاة فخر «لأننا لسنا مدعومين من قوى محلية ولا من دول. فرق لمّا الواحد يبني حركة سياسية بمجهوده الذاتي». ماذا عن السعودية التي رعت والد بهاء وشقيقه؟ يجيب: «علاقة بهاء بالمملكة جيدة. ولا خلاف معها، لكن السعوديين اتخذوا قرارهم السياسي في لبنان بألّا يسلّفوا أحداً. وأبلغوا الجميع من ضمنهم، بهاء، أنهم سيدعمون من لديه مشروع سياسي».