طوال سنوات المواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب قبل عام 2000، كان العدو يواكب، باستمرار، تطور القدرات القتالية لمجموعات المقاومة وتكتيكاتها وأساليب عملها المتنوّعة. عام 2004، وجد العدو نفسه أمام تحدٍّ من نوع آخر، بعدما أعلنت المقاومة أن طائرة مسيّرة تابعة لها، أطلقت عليها اسم «مرصاد 1»، حلّقت في سماء شمال فلسطين. عندها، أدركت «إسرائيل» أن عليها البدء بالتحضير لمواجهة قدرات للمقاومة في المجال الجوي. ومنذ ذلك الوقت، لم تتوقّف إسرائيل عن محاولة تأمين مجالها الجوّي، وبذلت في سبيل ذلك جهوداً هائلة، بدءاً من نشر رادارات متطوّرة على طول الحدود الشمالية من نقطة رأس الناقورة حتى حدود الجولان المحتل، مع سعي حثيث لتطوير «القبّة الحديدية»، ومحاولة توجيه ضربات متنوعة، كان البارز فيها اغتيال مؤسّس «سلاح المسيّرات» في المقاومة، الشهيد حسّان اللقيس، عام 2013.لكن رغم الجهود الإسرائيلية لتأمين مستوى عالٍ من الحماية للأجواء - حتى اعتقد قادة جيش العدو بأنهم بلغوا القمة في هذا المجال - تمكّنت المقاومة، الجمعة الماضي، في أقلّ من ساعة، من اختراق طبقات حمائية طوّرها جيش الاحتلال الإسرائيلي على مدى 18 عاماً، بعد نجاح مهمّة «المسيّرة التكتيكية»، التي تحمل اسم «حسّان»، في المهمّة المحددة لها.


مصادر مطّلعة في المقاومة شرحت لـ«الأخبار» تفاصيل ما جرى. وأفادت بأنه «عند الساعة 11:40، انطلقت الطائرة حسّان من نقطة في جنوب لبنان»، ورغم كل وسائل الإنذار المُبكر والرصد، «لم يتمكّن العدو من اكتشاف الطائرة إلا عند الساعة 12:10، بعدما قطعت نحو 30 كلم في سماء فلسطين، ووصلت الى منطقة روش بينا قرب مدينة صفد». وبمجرّد اكتشاف «جسم غريب في الأجواء»، دوّت صافرات الإنذار، وبدأت محاولات تحديد هوية الجسم، قبل أن يتبيّن أنها طائرة «مكتملة الأوصاف» بـ«جناحين ورأس وذيل»، على حدّ تعبير أحد ضبّاط المقاومة. على الفور، أطلقت منصّة «القبّة الحديدية» باتجاه المسيّرة صاروخاً من نوع «تامير» أخطأ هدفه. وأرسلت قيادة المنطقة الشمالية طائرة F16 لإنجاز المهمة، لكن سرعتها العالية لم تمكّنها من الإطباق على المسيّرة البطيئة، حتى إنها مرّت بمحاذاتها من دون أن تتمكّن من اعتراضها. بعد فشل «القبّة» والطائرة الحربية في إسقاط المسيّرة، «أرسل العدوّ طائرات مروحية كمنت شمال بحيرة طبريا، حيث اعتقد العدوّ أنها ستكون بداية مسار عودة المسيّرة. وتمكنت مروحيات أباتشي من تحديد موقع المسيّرة فوق البحيرة، وأطلقت باتجاهها عدداً من الصواريخ، فاختفت عن الرادارات، واعتقد العدو أن طائراته تمكّنت من إسقاطها، فأرسل فرقه للبحث عن بقايا المسيّرة لنحو ساعتين، قبل أن يكتشف أنها تمكنت من العودة الى قاعدتها سالمة، بعدما أكملت رحلتها المقرّرة خلال 40 دقيقة، وقطعت نحو 70 كلم داخل الأجواء الفلسطينية.
فشل العدو في إسقاط المسيّرة كشف عن ثغرة كبيرة في برنامج عمل أجهزته الأمنية والعسكرية والتقنية لتأمين مظلّة حماية للمنطقة بأسرها. لكن الخسارة لا تقف عند هذا الحد، بل يمكن تسجيل نقاط عدة في الإنجاز الأخير، الأبرز بينها تمكّن المقاومة من اختراق نُظم وأطوار وطبقات متعدّدة، مهمّتها الأولى حماية الأجواء الإسرائيلية، من دون أن تنجح الكاميرات والرادارات المتطوّرة في اكتشاف الطائرة قبل أن تدخل الأجواء الفلسطينية.
ويؤكد ضابط كبير في المقاومة أن المسيّرة «حسان» استطاعت «اختراق منظومات استشعار عالية التردّد ودقيقة المستقبِلات، كنظام مراقبة ADS». وتغلّبت على أنظمة الكشف عن الإشارات (SIGNIT)، ومنظومة الرادار والكشف (ULTRA C1)، وهو أضخم رادار مُطوَّر لدى العدو، مثبت على قمّة جبل الشيخ، ومهمّته الأساسية اصطياد الصواريخ والمسيّرات. كما تمكنت من تجاوز نظام الرادار MMR الخاصّ بالقبة الحديدية». بالإضافة الى تجاوز أحدث هذه الأنظمة، وأكثرها تطوراً، وهو منطاد «ندى السماء» (Sky Dew)، الذي رفعه العدو شرقي الناصرة، قبل أشهر، لاصطياد المسيّرات التي تحلّق على علوّ منخفض.
اخترقت المسيّرة أضخم رادارات العدو ومنظومات استشعار متطورة عالية الدقّة


في خلاصة الحدث، سقط وهم «القدرة المُطلقة» للدفاع الجوي الإسرائيلي المؤلّف من عدّة طبقات، ما يعني تحقيق اختراق كبير في «أمن» الأجواء الفلسطينية بشكل عام، وأجواء منطقة الجليل الشمالية بشكل خاص. كذلك، اهتزّت، الى حدّ بعيد، قدرة قيادة جيش العدو على السيطرة وضبط النفس، بحسب ما أظهره أداء الجيش خلال الحدث، إضافة الى «انكشاف المناورات والتدريبات». والأهم من كل ذلك، بحسب مصادر المقاومة، هو «تهاوي المظلة الأمنية التي كانت تظلّل تحشّد الجيش الإسرائيلي وانتشاره على امتداد الشمال».
ما حصل يوم الجمعة، باختصار، هو أن طائرة واحدة، لا يتجاوز عرضها الأمتار الثلاثة، أدخلت كيان العدو في دوّامة كبيرة وإرباك كامل في شمال فلسطين، فماذا سيحدث لو أُطلق سربٌ يضمّ العشرات من هذه الطائرات؟ وماذا لو مرّت «حسّان» مجدداً ولم تكتفِ بسلاح العدسة، بل أدخلت - عبر أسلحة أخرى - كيان إسرائيل المُصطنع في أسوأ كوابيسه؟