شكّلت ذريعة «الصندوق الوطني للديموقراطية» (NED) بالترويج للديموقراطية عبر المجتمع المدني غطاءً أيديولوجياً وتنظيمياً لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، وسمح للولايات المتحدة، بحسب المقولة الشهيرة لألان وينستاين، بأن «تقوم علناً بما كانت تقوم به سراً قبل 25 عاماً». كان وينستاين يقصد بذلك فضائح أواخر الستينيات، كتلك التي نشرتها «نيويورك تايمز» عام 1967 حول مجموعات الطلاب التي تلقت أموالاً من وكالة الاستخبارات المركزية مقابل جمع معلومات استخبارية، أو ما كشفته صحيفة «واشنطن بوست» في 26 شباط 1967 حول تمويل وكالة الاستخبارات المركزية لنقابات العمال والمنظمات الثقافية والمثقفين ووسائل الإعلام في الخارج. تعود فلسفة منظمات اليوم إلى حملة «مكافحة الاستبداد» التي بدأت في الحرب الباردة، والتي جدّدها رونالد ريغان عند تأسيسه «الصندوق الوطني للديموقراطية»، قائلاً: «لن نفرّق بعد الآن بين مستبدّي اليسار وديكتاتوريي اليمين. كلاهما أعداء للديموقراطية، وسنعارض كليهما».
توسيع نشاط الحكومة عبر قنوات سياسات «حقوق الإنسان» لم يكن من سمات ريغان، بل كانت إحدى سمات إدارة كارتر التي كان ريغان ينظر إليها بازدراء. لكن كانت هناك لجنة لإقناع ريغان بضرورة إنشاء «الصندوق»، بناء على رسالة حثت ريغان على تسهيل إنشاء الصندوق، من السيناتور الجمهوري ويليام بروك الذي شغل منصب زعيم الحزب الجمهوري بعد فضيحة ووترغريت ووزارة العمل والتجارة.
سوّق تقرير برنامج الديموقراطية لعام 1983 لـ«الصندوق» على أنه «شراكة جديدة بين الحزبين»، وأنّ إنشاءه هو امتداد لالتزام ما بعد الحرب العالمية الثانية «بدعم النموذج الديموقراطي ... في جميع أنحاء العالم»، وأشار إلى نتائج بدايات هذه الجهود في أوروبا في التقويض الثقافي والتنظيمي في أوروبا الشرقية ومبادرات المساعدة الاقتصادية مثل خطة مارشال.
وفيما ساهم NED في تقريب المسافة بين النشاط السري الخاص في الخارج والكونغرس الأميركي، بقي مؤسسة خاصة. وفي الوثيقة السياسية لحكومة الولايات المتحدة لعام 2019 بعنوان «تعزيز الديموقراطية: هدف للمساعدة الخارجية الأميركية»، وُصِف NED بأنه قادر على «دعم الأنشطة في الأماكن التي تكون فيها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أو الكيانات الرسمية الأخرى مقيّدة بموجب القانون أو لاعتبارات ديبلوماسية» لأنه «ليس وكالة حكومية».
المنطلق الفلسفي لـ NED بمعاداة الشيوعية، والذي كان نيوليبرالياً تماماً ويمينياً بطبيعته، تلوّن بألوان اليسار واليمين على حد سواء. فقد ضم مجلس الإدارة، برئاسة بروك، ألان وينستاين، ورئيس الاتحاد الأميركي للعمل - مؤتمر المنظمات الصناعية آنذاك لاين كيركلاند، ورئيسي اللجان الوطنية للحزبين الجمهوري والديموقراطي، ومحاميي «برنامج الديموقراطية» اللذين عملا كمستشارين للرئيس كارتر ولحملة بوش - ريغان عام 1980، وريتشارد ألن مستشار ريغان للأمن القومي، وجورج أغري من المؤسسة السياسية الأميركية. ويذكر «برنامج الديموقراطية» المكون من الحزبين أنه استمدّ إلهامه من المؤسسات الألمانية التي رسخت نفسها في أكثر من ستين دولة في الخارج، لإنشاء مؤسسات قائمة على الأحزاب تستخدم التعددية الحزبية لتعزيز أهداف السياسة الخارجية الغربية في الخارج.
تجلّى إرث الصندوق العائد إلى حقبة الثمانينيات بتقديم «الترويج للديموقراطية» كخطاب تدخلي ليبرالي يروّج للهيمنة السياسية الأميركية في الخارج والذي توارثته الإدارات المتعاقبة. فقد جمع بين الالتزام اليميني الأميركي المتشدد سابقاً بمناهضة الشيوعية والذريعة اليسارية المناهضة للشيوعية، «حقوق الإنسان». خلال الحملة الانتخابية لعام 2004، حاول كل من بوش وكيري تقديم نفسيهما كأكثر المانحين سخاء لتمويل NED، فتعهد كيري بمضاعفة ميزانية الصندوق ثلاث مرات بعدما اقترح بوش زيادتها بنسبة 100%.
واصلت إدارتا أوباما وبايدن زيادة دعمهما للصندوق، وكان ذلك وعداً انتخابياً في حملة أوباما للرئاسة عام 2008، إلى جانب زيادة دعم عدد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية الأخرى، وحضر في حكومتيهما ممثلون عن NED. كما شارك بايدن، عام 2003، في رعاية تشريع يعيد تأكيد مهمة الصندوق.