خلال جنازة شاب توفي نتيجة رصاصة طائشة، أطلق أهالي المغدور النار في الهواء، فأصابت إحدى الرصاصات الطائشة رأس ولد كان على شرفة منزله، وأردته قتيلاً، والحلقة تتكرر. ظاهرة إطلاق النار في الهواء منتشرة خلال الجنائز والأعراس والنجاح في الامتحانات الرسمية. وتماشياً مع هذا كله، نجد مشهداً اعتاد عليه الشعب اللبناني، وهو إطلاق النار ابتهاجاً بعد كل خطاب سياسي بالرغم من مناشدة رؤساء الأحزاب لإدانة هذا الفعل ولعدم تكراره، كأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله خلال خطاباته عام 2007 و2008 و2013 و2015 و2016 ولكن لا حياة لمن تنادي.تيونا الصراف البالغة من العمر سبعة أعوام ضحية رصاصة طائشة بعد احتفال تخرج ضابط من الكلية الحربية في عكار. حدث هذا في آب 2021، فتحت الضابطة العدلية تحقيقاً في الحادث، ولكن لم تتوصل إلى مطلق النار حتى اللحظة.
أحمد الكردي البالغ من العمر سبعة أعوام ضحية رصاصة طائشة في حارة الناعمة، تموز 2017 وما تزال القوى الأمنية تبحث في ملابسات الجريمة.
ياسين سيروان البالغ من العمر ستة أعوام ضحية إطلاق نار من سلاح صيد في الهرمل عن طريق الخطأ عام 2016. ألقت القوى الأمنية القبض على القاتل.
محمد عزالدين البالغ من العمر ثمانية أعوام ضحية رصاصة طائشة في الرأس، وذلك في منطقة النويري في بيروت، عقب إطلاق النار الذي جاء احتفالاً بصدور نتائج الشهادة الثانوية. لم تفتح القوى الأمنية تحقيقاً في الجريمة لأسباب مجهولة.
طلال إبراهيم ابن الثمانية أعوام ضحية رصاصة طائشة جراء إطلاق النار خلال إشكال وقع في الميناء، تموز 2020.
يبلغ المتوسط السنوي لعدد جرائم القتل في لبنان 232 جريمة، من ضمنها القتل نتيجة إطلاق النار في الهواء. عندئذ يتم المباشرة بالتحقيق من أجل إلقاء القبض على الفاعل، ولكن بالنسبة إلى استقصاء الضابطة العدلية في القتل نتيجة الرصاص الطائش فهي غالباً ما تكون بلا جدوى. تُقام عشرات التحقيقات في حق مجهولين، فالفاعل إما منتسب ومسؤول حزبي لا يمكن التبليغ عنه خوفاً على سلامة المشتكي، أو هو أحد أقربائهم. كما أن الضابطة العدلية لا تمتلك قاعدة معلومات لازمة لمعرفة المجرم، كما في حالات إطلاق الرصاص في الهواء خلال حفلة رأس السنة من قبل عدة أشخاص في المكان ذاته.

أرشيف (مروان طحطح)


«بكل بيت في سلاح»
يردد كل من يمتلك قطعة سلاح في لبنان لتبرير حيازته على مسدس أو بندقية بمقولة «بكل بيت في سلاح».
«عادي ليش أنا ما بدي حط مسدس عندي بالبيت، صار ما صار ما بتعرف». فريد، ابن المصيطبة، الذي يحتفظ بمسدس وبكلاشنيكوف في شقته، اشترى تلك الأسلحة لأن جميع من يسكن في منطقته يقتني قطعة سلاح. اشترى ابن الخامسة والثلاثين أسلحته من دون حصوله على رخصة، عبر تاجر لا يمتلك رخصة بيع أسلحة، «لشو الرخصة مين بيسأل عنها أو بيسترجي يسأل عنها؟».
أما عامر الذي يهوى السلاح من أيام طفولته، يشتري ويبيع الأسلحة منذ سنوات. «كل فترة بحب اشتري سلاح جديد. المفضل عندي هو غلوك وHS2000 وأكيد الكلاشينكوف من بعد ما «نغله» ويصير لونه أسود مع كعبه الخشبي، بصير بياخد العقل، لوحة فنية». وعند سؤاله عن رخصة السلاح، رد عامر بسخرية: «لك روح يا عمي، الأسلحة منحذف منها الرقم والكل بيشتري وببيع عادي. لبنان من أيام الحرب الأهلية لليوم الكل معه سلاح، وين المشكلة شو وقفت عليي؟»



إجراءات استخراج رخصة السلاح
تُعطى الرخصة من الغرفة العسكرية لوزارة الدفاع اللبناني لسنة واحدة ويجوز تجديدها. وتُعطى رخص بنادق الصيد مرة واحدة من وزارة الداخلية (مادة 24 من قانون الأسلحة والذخائر). أما الصيد البري فيقتضي الحصول على رخصة صيد من وزارة البيئة مستندة إلى رخصة قانونية بحمل السلاح من وزارة الدفاع الوطني لأسلحة الفئة الرابعة لصيد الطرائد الموبرة، ومن وزارة الداخلية والبلديات لأسلحة الفئة الخامسة لصيد الطيور البرية (قانون الصيد البري، رقم 580/2004)، مع الإشارة إلى أن قرار وزير البيئة رقم 198/1/2012 حول آلية استصدار آلية رخصة الصيد البري تنص على وجوب إبراز طالب الرخصة نسخة عن شهادة بنجاحه في امتحان الصيد البري صادرة عن أحد النوادي الخاصة المحددة من قبل وزير البيئة. يحق لكل مواطن لبناني بلغ الثامنة عشرة التقديم للحصول على رخصة حمل سلاح، (مادة 29 من قانون الأسلحة والذخائر). يشترط أن لا يكون طالب الرخصة: قد أصيب بأحد الأمراض العقلية، أن لا يكون محكوماً بحرمانه من الحقوق المدنية أو بجناية أو بجرم من الجرائم الشائنة، أن لا يكون محكوماً بمنعه من حمل السلاح أو بجرائم تمس بأمن الدولة. وإذا كان أجنبياً، يجب أن لا يكون تعرّض لمنع الإقامة أو الإخراج من البلاد وألا يكون محكوماً تكراراً من أجل مخالفة أحكام هذا المرسوم الاشتراعي. أما طلب رخصة سلاح فردي أو سلاح صيد فيجب أن يتضمن المستندات التالية: صورة عن الهوية أو إخراج قيد إفرادي، وصورة شمسية مصدقة، وإفادة سكن من مختار المحلة تبين رقم هاتف مقدم الطلب، وسجل عدلي.
أما بالنسبة إلى سحب إجازة رخصة السلاح، فيحدث عند انتفاء أحد الشروط المطلوبة (مادة 31 من قانون الأسلحة والذخائر)، أوعند إطلاق عيارات نارية في الهواء، فيصادر السلاح في جميع الأحوال ويمنع الجاني من الاستحصال على رخصة أسلحة مدى الحياة (مادة 1 فقرة أ من قانون «تجريم إطلاق عيارات نارية في الهواء» رقم 71/2016).
يبلغ المتوسط السنوي لعدد جرائم القتل في لبنان 232 جريمة، من ضمنها القتل نتيجة إطلاق النار في الهواء


بطبيعة الحال أدت أزمة لبنان الاقتصادية إلى تراجع مستوى التدريبات على استعمال السلاح من قبل الجيش والقوى الأمنية نظراً لشراء الأعتدة والرصاص بالدولار، من ثلاث دورات تدريبية في الشهر على الرماية بالرصاص الحي واستعمال السلاح، إلى دورة كل شهر أو شهرين عبر الرماية باستخدام أسلحة تعمل على الليزر وعبر بندقيات مختلفة علماً أن لكل بندقية مواصفاتها الخاصة.
فإذا كان التدريب على استعمال السلاح ملزماً للجيش والقوى الأمنية، فهو اختياري وليس ضرورياً بالنسبة إلى حامل رخصة السلاح. فالتدريب ليس من ضمن الشروط للحيازة على رخصة سلاح فردي. كيف لابن الثامنة عشرة أن يتقدم لاختبار قيادة السيارة بعد التدريب من أجل الحصول على الرخصة، وهو ليس ملزماً بالتدريب وبتقديم أي اختبار لرخصة حمل أداة قاتلة كالسلاح؟

قانون لمواكبة العصر
يفترض إثبات وجود وعي كافٍ للحصول على رخصة سلاح. فالرخصة ليست مجرد إثبات لقدرة الشخص على كيفية استعمال السلاح، بل على كيفية حمل السلاح وتنظيفه. مرت 22 سنة على آخر تعديل لقانون الأسلحة والذخائر. هل ما يزال هذا القانون رادعاً ومواكباً للتطورات الذي يشهدها البلد؟ ألا يجب مواكبة تطور الأسلحة ومفاهيمها التي تشهدها دول العالم؟
لا تشمل خصائص الرخصة التي يأخذها المواطن إلا نوع السلاح إذا كان مسدساً أم بندقية، وعدد المسدسات والبندقيات. ولكنها لا تتضمن رقم السلاح، وعدد ونوع الرصاص، ما يصعّب ملاحقة أي مرتكب جريمة عبر سلاحه الفردي لنقص في قاعدة المعلومات. يُفترَض أن يُسجَّل نوع المسدس والبندقية، وكمية الذخيرة، ورقم السلاح ووضع رقم جديد في حال حذف الرقم الأساسي منه. وكذلك، يُفترَض تحديد الحد الأعلى لكمية الذخيرة لكل رخصة. ألا تعزز تلك المعلومات والإجراءات تسهيل مراقبة حامل الرخصة في حال ارتكابه أي فعل جرمي؟ ألا تسهل عمل الضابطة العدلية لإلقاء القبض على الفاعل؟ ولماذا لا تؤخذ المعايير اللازمة لفحص أهلية مستخدم السلاح عبر مراقبته بعد أخذ الرخصة وإجراء فحوص طبية ونفسية دورية للتأكد من أهلية صاحب السلاح؟



دفاع عن النفس؟
يدّعي من يحمل السلاح أنهم اشتروه لـ «الدفاع عن النفس». ولكن القانون أوضح معنى «الدفاع المشروع» عن النفس، إذ يعتبره حقاً من حقوق الجميع ولكن بوجود شروط واضحة:
◄ أولاً، أن يوجد خطر على النفس أو الملكية وأن يكون الخطر واقعاً حالاً (لا يباح الدفاع إن كان الخطر احتمالياً في المستقبل) وأن يكون التعرض غير محق وغير مثار.
◄ ثانياً، يجب أن يكون الدفاع مواجهة لخطر التعرض وصد الاعتداء (إذا كان هناك إمكانية للجوء إلى أي سلطة عامة في الوقت المناسب، أو انتزاع السلاح الذي يُهدَّد به بدلاً من قتل المعتدي، تنتفي شروط الدفاع المشروع). ويجب أن يكون هناك توازن بين خطورة التعرض وجسامة فعل الدفاع (لا يجوز تجاوز فعل الدفاع كقتل أحد الأشخاص لأنه يسرق من ثمار الحديقة أو استعمال السلاح في وجه من يهدد دون سلاح).
إذا تحققت شروط الدفاع المشروع يعفى الفرد من العقاب بموجب المادتين 183 و184 من قانون العقوبات.