هيكلية السرقة
مع أن عملية السرقة ذاتها وإطلاق النار وأخذ الرهائن تؤدي إلى الفوضى والعنف، إلا اللصوص أنفسهم خبراء ودقيقون في ما يفعلون، فلا مجال للخطأ. وهذا يثير «التعاطف الحركي»، حيث تثير جاذبيتَنا مشاهدةُ عصابات أو لصوص يرتكبون سرقة معقدة، بإجراءات منسقة بدقة وبتعاون كبير. تتماشى هذه الدقة مع الحرفة المعتمدة لهيكلية السرقة. هناك صيغة ثلاثية الفعل لمعظم أفلام هذا النوع: التخطيط للسرقة (الجلوس مع المجرمين والتخطيط معهم)، كشف السرقة (التسلل إلى المصارف)، عواقب السرقة (المطاردة والتحقيقات). لكل فرد من العصابة دور محدد: العقل المدبر، الخبير الأمني والتكنولوجي، رجل العضلات، السائق وما إلى ذلك. تؤدي آلية التعاون والتفاهم المتبادل هذا إلى علاقة مثالية بين المجرمين، نحسدهم عليها أحياناً.


الخداع والانجذاب والرأسمالية
الخداع هو الطبيعة الطموحة للسينما. والسرقة متجذرة في الخداع، وكمشاهدين نجد أنفسنا خلف الكواليس نخطط حول كيفية سير الأمور دقيقة بدقيقة. إلى جانب التواطؤ في الجريمة، فإن المعرفة والتواجد في حلقة الإتقان الكبير هذه يرضي لاوعينا البشري، ففي أعماقنا نريد أن نكون جزءاً من هذه السرقة بأنفسنا. تسمح لنا أفلام السرقة بأن نعيش بشكل غير مباشر كمجرمين، مغامرين يخالفون القانون بلا نية إيذاء أي شخص. هناك طابع رومنسي لقصص السرقة، إذ ننجذب إلى الأشخاص الذين يخالفون القانون. كل شخصية في أي فيلم تكون أروع عندما يكون لديها عيوب اجتماعية كثيرة.
فيلم «عصر يوم قائظ» يشبه تقريباً ما حدث في جب جنين، ولكن الفارق الوحيد أن البطل في الحياة الحقيقية كان يحاول استرجاع أمواله، وليس سرقة ما ليس له

في أحيان كثيرة، نتعاطف مع لصوص البنوك أكثر مما نتعاطف مع الأشخاص الذين يحاولون القبض عليهم. ولكن أهم عنصر من عناصر التعاطف مع المجرمين وخاصة لصوص المصارف هو الرؤية المناهضة للرأسمالية. تكمن متعة السطو في مشاهدة نقل الثروة من شخص ثري إلى فقير. حيث يعمل الأبطال (اللصوص) الذين هزمتهم أو خدعتهم الحياة لوضع الأمور في نصابها الصحيح، لا لأنفسهم فقط، بل لرهائن هذا النظام أيضاً.

■ بعد خمسين عاماً على سرقة البنك الذي يعمل به، تم التعرف على السارق! تيد كونراد الذي كان يعرف باسم توماس راندلي أدلى باعتراف وهو على فراش الموت أنه هو من سرق بنكاً في كليفلاند عام 1969. في أحد أيام الجمعة في يوليو/تموز 1969، دخل كونراد، البالغ من العمر 20 عاماً آنذاك والذي كان يعمل موظفاً في بنك كليفلاند سوسيتي ناشونال بنك، إلى البنك في الصباح وخرج وهو يحمل 215000 دولار في كيس ورقي واختفى. لم يلاحظ أحد أن الأموال مفقودة حتى يوم الاثنين التالي، عندما لم يحضر كونراد للعمل. المثير للاهتمام أكثر أن الجريمة وقعت بعد عام من بدء هوس كونراد بفيلم ستيڤ ماكوين «The Thomas Crown’s Affair». اختفى كونراد وذهب إلى ولاية بوسطن وغير هويته وعاش هناك حتى اعترافه، وقال: «كنت مهووساً بالفيلم، وكنت كستيڤ ماكوين أشعر بالملل، فنظمت عملية السرقة من أجل المتعة فقط»


عنوانه الواضح والمباشر، «سرقة البنك» (1908) أول فيلم سينمائي عن سرقة المصارف. أحد الأفلام القليلة التي كان فيها الممثلون الذين يلعبون دور رجال القانون واللصوص، هم في الواقع رجال قانون ولصوص: كان ويليام تيلغمان مشيراً أميركياً مشهوراً ومحترماً على حدود أوكلاهوما؛ وكان أل جي جينينغز سارق قطارات مداناً بدأ بالتمثيل بعد أن أطلق سراحه من السجن.

«هيت» (1995) / Heat


شرعت مجموعة مجرمين محترفين بقيادة لص كبير يدعى نيل ماكولي (روبرت دي نيرو) في تنفيذ عملية سرقة أخيرة لبنك من شأنها أن تبعدهم دائماً من عالم الجريمة، وفي الجهة الثانية الشرطي ڤينسنت هانا (آل باتشينو) عازم على السير على خطى العصابة والقبض عليهم. «هيت» للمخرج مايكل مان، أحد أكثر الأفلام المعاصرة إثارة للاهتمام عن سرقة البنوك. مان يتألق حرفياً في الفيلم، في عمل لا تشوبه شائبة من حيث التمثيل والإيقاع السردي. يؤسس الفيلم علاقة بين اللص والشرطي ويعكس العيوب والبؤس ومخاوف كلا الجانبين. مشهد سرقة البنك وبعدها إطلاق النار والملاحقة في شوارع نيويورك أكثر مشهد حركة مروع في السنوات الأخيرة. «هيت» ليس فيلماً عن مواجهات بين الأخيار والأشرار، بل طريقة فهم كيفية تفكير الاثنين بشأن القانون والمؤسسات. اللصوص ليسوا قتلة، بل لديهم مبادئ أخلاقية ومهنية وحياة أسرية؛ والشرطي ليس مثالياً، بل لديه طموحات شخصية. ينغمس الاثنان في أزمة وجودية شخصية عميقة وتزيد رغبة الاثنين في الانتصار على بعضهما البعض.

أفلام سرقة المصارف كثيرة، ولكن العظيمة منها قليلة، إليكم بعضاً منها بتفاصيلها:

«عصر يوم قائظ» (1975)
Dog Day Afternoon



مقتبس من عملية سطو حقيقة على بنك، ومن مقال في مجلة «لايف» بعنوان «الأولاد في البنك». حوّل المخرج الأميركي سيدني لوميت عملية السرقة واحتجاز الرهائن عام 1972، التي نفذها جون ڤويتوڤيتش وسلڤاتور ناتوريل في فرع تشيس مانهاتن في بروكلن، إلى تحفة سينمائية لا تنسى. خلق لوميت كرنفالاً سينمائياً بين لصوص البنوك غير الأكفاء ولكن المتحمسين (آل باتشينو وجون كازال) الذين تحولت سرقتهم إلى سيرك شعبي واجتماعي اجتاح البلاد. عملية السرقة التي كان من المفترض أن تستغرق 10 دقائق، تحولت إلى مظاهرات شعبية مناهضة للاستبداد وتتحدى مؤسسات الدولة. دخل الرجلان إلى البنك، وتحولا من لصين إلى شخصين لطيفين بالنسبة إلى موظفي البنك والرهائن، فأصبحوا اصدقاء إلى درجة التحدث عن حياتهم الخاصة. وفي الخارج بينما الشرطة تحاصر المكان وتحاول المفاوضة، الجماهير في الشوارع تناصر اللصوص. ما حصل في الفيلم يشبه تقريباً ما حدث في جب جنين قبل أسابيع، ولكن الفارق الوحيد أن البطل في الحياة الحقيقية كان يحاول استرجاع أمواله، وليس سرقة ما ليس له.

«إنسايد مان» (2006)
Inside Man



«عملية سرقة بنك مثالية» قالها لنا دولتن راسل (كليف أوين) في فيلم «إنسايد مان» للمخرج سبايك لي. كل شيء في الفيلم يحدث من وجهة نظر اللص. لا يُسرق شيء تقريباً من البنك، وكل شيء مسألة افتراضات. فيلم كلاسيكي للغاية في قصته، والآكشن غائب تقريباً. يعتمد كل شيء على التدرج في السرد في نص ذكي ونادر. قصة الفيلم تتلخص في ما يلي: يدخل لصوص لسرقة بنك، يأخذون الرهائن، يفاوضون الشرطة، ثم يخرجون من البنك من دون أن يلاحظهم أحد، كأن شيئاً لم يحدث!

«ريفيفي» (1955) / RIFIFI


"ريفيفي" فيلم السرقة للمخرج الأميركي جولز داسان الذي كان على قائمة هوليوود السوداء، سافر إلى فرنسا لإكمال مشواره السينمائي. فيلم يضعكم في حالة من الترقب والتوتر في واقعيته الجميلة، متفوقاً على الأعمال المشابهة في هوليوود. المشهد الرئيسي «السرقة» غني بالتفاصيل لدرجة الواقعية. لمدة 22 دقيقة مشهد من دون حوار ولا موسيقى نفذ بدرجة عالية من الدقة، مشهد فتح خزنة بالوقت الفعلي وبالطريقة الصحيحة. يبقيكم على أعصابكم طوال المدة ولكن التشويق لا ينتهي مع انتهاء السرقة، الفيلم متكامل بشخصياته الغامضة وواقعيته الجميلة لدرجة أن عملية السرقة الوهمية في الفيلم نفذت من قبل مجرمين حقيقيين في عمليات سرقة في جميع أنحاء العالم. هنا نرى أثر السينما الجميلة حتى على المجرمين أنفسهم.



■ لماذا تتكبد شركات الإنتاج عناء كتابة واختراع سرقة لتصوير فيلم، بينما يمكنها انتزاع واحدة مباشرة من عناوين الأخبار كل يوم؟

■ قال دولتن راسل (كليف أوين) في فيلم «إنسايد مان»: «لقد خططت وبدأت تنفيذ عملية سطو على البنك بشكل مثالي. الدافع المالي سبب بسيط للغاية، الدافع الأكبر هو لأنني أستطيع»

■ عندما دخل نيل ماكولي (روبرت دي نيرو) البنك مع العصابة لسرقته في فيلم «هيت»، أول جملة قالها للمودعين: «لا نريد أن نؤذي أحداً! نحن هنا من أجل أموال البنك، لا أموالك. أموالك مؤمنة من الحكومة الفدرالية، لن تخسر عشرة سنتات! فكر بعائلتك، لا تخاطر بحياتك».

■ «السؤال الأكبر الذي لا إجابة له: أين المال؟»

■ السرقة: عملية الدخول إلى بنك مفتوح واستخراج الأموال بالقوة أو التهديد باستخدام القوة، وتختلف عن السطو الذي يشكل اقتحام بنك مغلق.


عندما سأله مراسل فضولي عن سبب استمراره في سرقة البنوك لمدة أربعين عاماً، أجاب ويلي سوتون (1901–1980) سارق البنوك الشهير والمعروف باسم «سليكي ويلي» باقتضاب: «لأن هذا هو المكان الذي يوجد فيه المال».