شويري معذور على عصبيته الزائدة، إذ إن الصدمة التي تلقاها من الشبكة الإماراتية، قبل ساعات قليلة، كانت كفيلة بجعله لا يتحمّل اسم الجريدة التي فضحت خفايا صفقاته الإعلانية. هذا عدا عن أنه علم بفكّ تعاقده، كغيره، بعدما وزعت قناة الشبكة بياناً صحافياً، وصلت نسخة منه إلى بريده الخاص.في البيان، أعلنت الشبكة أنها أنهت تعاقدها مع «ميديا سات»، إحدى شركات «مجموعة شويري»، «لتعود الحقوق الحصرية ‏لخدمات مبيعات الإعلانات في المجال الترفيهي لشبكة قنوات تلفزيون أبوظبي والإذاعة والنشر والمنصات الرقمية إلى أبوظبي للإعلام اعتباراً من فبراير 2022». وقال عبد الرحيم البطيح النعيمي، المدير العام لأبوظبي للإعلام إن «قطاع الإعلام والتسويق الإعلاني يشهد تغيرات متسارعة، وخاصة في ما يتعلق بتوجه المعلنين نحو التركيز على منصات التواصل الاجتماعي والرقمي نظراً إلى إقبال الجمهور عليها، ولذلك نسعى للتحرك بشكل أسرع لتلبية توجهات السوق بتقديم حلول متكاملة عبر جميع منصاتنا».
في التفاصيل، فإن قرار الشبكة الإماراتية أتى من دون استشارة شويري أو حتى إعلامه. فقد كان شويري يتابع عمله بشكل عادي، قبل أن يصله البيان من دون أي شرح، علماً بأن هذا هو أسلوب الإعلام الإماراتي في إبلاغ موظفيه بـ«تفنيشهم» من أعمالهم، وقد فعلت القناة الأمر نفسه سابقاً مع عدد كبير من الإعلاميين والمتعاقدين معها.
ليست ضربة «أبوظبي» الوحيدة التي تلقاها شويري. فقبل نحو شهرين، فضّت شبكة «النهار» المصرية تعاقدها معه بشكل مفاجئ أيضاً، بعد عام واحد من التعاون فقط، خرج إثره شويري خالي الوفاض من القاهرة، وبالتالي خرج من مصر نهائياً بعد محاولة فاشلة لاستعادة بريقه هناك، وبعدما وضع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وشركاته، اليد على السوق الإعلاني الأكبر عربياً. لكن، في المقابل، يؤكد البعض أن سبب إخراج شويري من مصر سياسي بامتياز، وأن المصريين نفّذوا أجندة سعودية إماراتية بمحاصرته، بعد الخليج، في مصر التي كانت متنفساً له بعد فكّ شراكته مع شبكة mbc.
في نهاية عام 2020، وبعدما وضع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يده على mbc وأفرج عن مؤسس الشبكة وليد آل إبراهيم إثر اعتقاله في فندق «ريتز» إلى جانب مئات الأمراء ورجال الأعمال، كانت أول خطوة قام بها فض الشراكة بين الشبكة وشويري. وهي شراكة عمّرت أكثر من 16 عاماً، وعادت بثروات مالية ضخمة على شويري الذي كانت mbc بالنسبة إليه بيضة القبّان، إذ كانت الميزانيات مفتوحة له من دون أرقام محددة، وكان يسرح ويمرح داخل الشبكة، إلى أن أتى ابن سلمان، وسأله من أين لك هذا!
مع خروج شويري من mbc، بدأت تفوح رائحة الصفقات. ويحكى عن ملفّ مدروس و«مبكّل» بالأرقام أعدّه السعوديون حول صفقات حصّلها شويري على ظهر الشبكة. ويتطرق التقرير إلى أسماء شخصيات إعلامية كانت حاكمة في mbc، وقامت، بالشراكة مع شويري، بصفقات مشبوهة داخل الشبكة درّت ملايين الدولارات. لاحقاً، أعلنت الشبكة أنها وقّعت اتفاقية شراكة مع «شبكة العربية الإخبارية» وMBC Media Solutions MMS، وهي وحدة الإعلانات التجارية الداخلية التي أُنشئت أخيراً بالشراكة مع «مجموعة المهندس القابضة» Engineer Holding Group EHG، لتنطلق رحلتهما معاً بداية عام 2020.
إلى ذلك، تؤكد معلومات أن شويري خسر كل تعاقداته مع أكبر القنوات الخليجية والعربية، ولم يتبقّ في جعبته سوى قناة «دبي» بعقد مدته خمس سنوات. لكن لا شيء يمنع «دبي» من فض الشراكة مع شويري، أسوة بـ«أبوظبي».
تشير المعلومات إلى أن شويري عزا للمقربين منه سبب فض تعاقده مع «أبوظبي» إلى أنه يتبع أسلوباً قديماً في الإعلانات ولا يجاري التطور في عالم التكنولوجيا. كما أن القناة تشهد تغييرات كبيرة، وسيُعلن قريباً عن خطة إعلامية لها ربما تستغني فيها عن عدد كبير من الموظفين. لكن الحقيقة غير ذلك كلياً. إذ تكشف المعلومات عن عملية لـ«قصّ جوانح» شويري في الإمارات، ليتحول من صاحب أكبر شركة إعلانات كانت تلقّب بـ«إمبراطورية الإعلام» أيام الأب أنطوان شويري، إلى رجل أعمال عادي يعتاش من فتات بعض دور الأزياء العالمية وكبرى ماركات الحقائب التي يتعاون معها لإعلانات في الصحف والمجلات (مثل «جمالك» و«لها»...).
لم تستشر الشبكة الإماراتية شويري قبل فضّ العقد ولم تتكبّد عناء إعلامه بالأمر


من جهة أخرى، تلفت المصادر إلى أن حصوله على الجنسية الإماراتية وجواز سفر إماراتي ليس امتيازاً أو تقديراً لعمله. فمن يملك المال في الإمارات يحصل على هذه الامتيازات التي أقرّتها الحكومة لرجال الأعمال. ونفت المصادر وجود مشكلة مالية أو تجارية مع شويري، أو أن يكون قد تأخر في سداد المتوجبات عليه الى المؤسسات العاملة معه في أبوظبي، ما يعزز الشكوك في خلفيات أخرى للقرار. وهنا، يجري الحديث عن استجابة إماراتية ومصرية متأخرة لرغبة السعودية في وقف أعمال المجموعة التي يتهمها تركي آل الشيخ (رئيس هيئة الترفيه والمسؤول الأول عن النشاط الإعلامي والإعلاني) بأنها كانت خلف صفقات أدت الى خسارة السعودية ومؤسساتها الإعلامية عشرات ملايين الدولارات. وقد عمل آل الشيخ على إبعاد جميع العاملين في شركات الشويري عن السوق السعودية وتعاون مع شركات أخرى.
ويعود عدم فتح ابن سلمان أبواب السوق السعودية أمام شويري، كما حصل مع شركات عربية أخرى، إلى ثأر سعودي قديم. إذ تعاقد السعوديون مع الشويري الأب في التسعينيات من القرن الماضي للتسويق لمجموعة كبيرة من المنتجات. لكن الطرفين اختلفا لاحقاً وفضّا الشراكة، ومنع الشويري لفترة طويلة من العمل في المملكة. ولم يستطع الابن التوصل إلى اتفاق مع السعوديين الذين وضعوا أمامه خطاً أحمر، رغم وساطات أطراف لبنانية على علاقة جيدة بالسعوديين. ويتردد أن السعوديين أجابوا هذه الأطراف بأن شويري ليس ضمن حساباتهم، وأنهم لم ينسوا ملفه في mbc.
أما بالنسبة الى قناة Lbci، فيتكتّم رئيس مجلس إدارتها بيار الضاهر حول علاقته التي تعود لسنوات مع شويري، وخصوصاً على أبواب الانتخابات النيابية. ولم يُعرف ما إذا كان التفاوض بين الطرفين الجاري حالياً سيسفر عن تجديد العقد السنوي بينهما أو فضّه. مع الإشارة الى أن مجموعة شويري تبرّر تأخير بعض الدفعات للمؤسسة اللبنانية بمشكلات الأخيرة مع عدد من المنتجين الذين رفعوا دعاوى قضائية ضد الضاهر لعدم دفع مستحقاتهم، ما يجعل كل الأموال التي ستقدم له معرّضة للحجز، ما يؤثر على عمل مجموعة الشويري.
بعد ذلك كله، يتبقى لشويري صحيفة «لوريون» الناطقة بالفرنسية وجريدة «النهار» وبعض الإذاعات الصغيرة، ليكون أمام العودة الى النقطة الصفر في لبنان خالي الوفاض.