سواء اعترف بهم هذا النظام أم أنكر وجودهم، لا أحد يمكنه تغيير حقيقة أن اللاجئين الفلسطينيين يعملون في لبنان، وينفقون مداخيلهم لشراء الغذاء والملابس. وحيث يعيشون (في المخيمات)، يحصلون على السلع من تجار في السوق كما في أي منطقة فقيرة أخرى في لبنان. وهم يتشاركون مع سائر المناطق المعاناة من سوء الخدمات، وإن في ظل ظروف أكثر قساوة وتمييزاً. وأساساً، للنظام في لبنان خصائص تمييزية بين الشرائح والمناطق والأديان... هذه هي الخلاصة التي تتجاهلها العنصرية اللبنانية دائماً عند النظر في أي مسألة تتعلق بالفلسطينيين. وهي الخلاصة الوحيدة التي يمكن الخروج منها بعد قرار مجلس شورى الدولة وقف تنفيذ قرار وزير العمل بناء على طعن مقدّم من الرابطة المارونية. فما حصل في هذا السياق، ليس سوى شكليّات لوقائع لا يمكن تغييرها.يمثّل قرار وزير العمل مصطفى بيرم الصادر في 25 تشرين الثاني 2021 والذي أتاح للاجئين الفلسطينيين العمل في 126 مهنة كانت محصورة باللبنانيين (لا تتضمن المهن الحرّة التي لديها نقابات تشترط الانضمام لمزاولتها كالأطباء والمهندسين وسواهم)، إقراراً بحقّ عمل اللاجئين الفلسطينيين بعد اللبنانيين. هو لا يعرض عليهم وظيفة، بل يعترف ببعض الوظائف التي يمارسونها في لبنان منذ عقود. وبحسب المستشار القانوني لوزير العمل عصام إسماعيل، فإن القرار يأتي في سياق «ضبط الفوضى التي تعتمل في الوزارة لناحية منح تصاريح العمل كيفما كان لكل الجنسيات والتي كانت تضيّق على الفلسطيني وتستبعده وتقدّم عليه جنسيات أخرى. فإذا لم يوجد متقدم لبناني لوظيفة معينة يكون المستحق بدرجة ثانية هو الفلسطيني. علماً أن كثيراً من المهن لا يتقدم إليها لبنانيون».

قرار عنصري وطائفي

شجب المدير العام لـ «مؤسّسة العودة الفلسطينية»، ياسر علي، قرار مجلس شورى الدولة وموقف الرابطة المارونية، وقال لـ«الأخبار» إنّ «خلفيته عنصرية وطائفية»، معتبراً أنّه «صدر بسبب وجود قوة ضاغطة داخل المجلس وليس لأنّه قرار محق».


رغم واقعية القرار، إلا أنه أثار مشاعر تمييز ضدّ الفلسطينيين المقيمين في لبنان. وفيما عبّر رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل عن رفضه للقرار الذي يمرّر «التوطين المقنّع»، تحرّكت الرابطة المارونية في الاتجاه نفسه معتبرة قرار الوزير «محاولة مشبوهة لضرب الكيان وتغيير وجه لبنان الحضاري والتاريخي، والعبث بالتوازنات الوطنية وفرض واقع ديموغرافي جديد». وتقدّمت الرابطة بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة لوقف تنفيذ القرار، مستغلّة ثغرة بيروقراطية، أو هفوة ارتكبتها وزارة العمل لأنها أصدرت القرار قبل استشارة مجلس شورى الدولة. وإثر بيان الرابطة ورغبتها الجارفة في إبطال القرار، أجرت وزارة العمل تصحيحاً للعيب الشكلّي، وأرسلت مشروع قرار جديد إلى المجلس بتاريخ 29/12/2021. وأشارت إلى أنها لم تكن تقصد تجاهل استشارة المجلس، بل اتبعت سلوك الوزراء السابقين وفيهم قانونيون (أمثال بطرس حرب وسليم جريصاتي) لم يستشيروا المجلس عند إصدار قرار تحديد المهن الواجب حصرها باللبنانيين، «والسبب بعدم الاستشارة أن هذا القرار هو مؤقّت يطبق سنة فسنة» يقول إسماعيل.
رغم ذلك، لم يأخذ مجلس شورى الدولة في الاعتبار الخطوة التصحيحية للوزارة، وقرّر أن يصدر قراراً يخلص فيه إلى أن الطعن المقدّم من الرابطة ينطوي على أسباب جديّة لوقف تنفيذه. في العادة، قرارات وقف التنفيذ لا تصدر معلّلة عن المجلس، إنما تتبنّى وجهة نظر مقدّم الطعن، بالتالي فإن ما ورد في الطعن لجهة تجاوز الوزير حدّ السلطة هو ما تبناه مجلس الشورى فعلياً. ولم يُكتفَ بذلك، إذ جرى تسريب القرار قبل تبليغ وزارة العمل. فبحسب وزير العمل «لم تتبلغ الوزارة بقرار مجلس الشورى بعد».
النقاش القانوني في هذه المسألة، لا ينحصر بهفوة الوزارة التي تسند ظهرها على تطبيق القانون 128 تاريخ 24/08/2010 الذي أخضع اللاجئ الفلسطيني العامل المقيم في لبنان والمسجّل في مديرية الشؤون السياسية واللاجئين - وزارة الداخلية والبلديات إلى أحكام قانون العمل من دون سواه لجهة تعويض نهاية الخدمة وطوارئ العمل. وأعفاه من شروط المعاملة بالمثل المنصوص عنه في قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي. كما طبّقت القانون 129 تاريخ 24/8/2010 الذي أعفى الأجراء الفلسطينيين اللاجئين المسجلين من رسم إجازة العمل الصادرة عن وزارة العمل ومن شرط المعاملة بالمثل. وفي رأي الوزارة إن قرار وزير العمل هو نصّ تنفيذي لأحكام القانونين المذكورين، لذا لا يفترض بالقضاء النظر في دستورية القرار، لأنّ ذلك يؤدّي إلى النظر في دستورية القانون المستند إليه.

وزراء العمل السابقون، وبينهم قانونيون، لم يستشيروا «شورى الدولة» لتحديد المهن المحصورة باللبنانيين


هذا الجدل القانوني، يعدّ شكلياً في علم الاقتصاد. فالحقيقة القانونية قد تفترض أنه يحقّ أو لا يحقّ للعامل الفلسطيني مزاولة مهن مخصّصة للبنانيين، لكن الحقيقة الاقتصادية تفترض التعامل مع الوقائع كما هي بكل نتائجها ومخاطرها. فالفلسطينيون موجودون في لبنان منذ عقود، وهم بالمعنى الفعلي يزاحمون اليد العاملة اللبنانية لأنهم اندمجوا معها وصاروا جزءاً منها، يقدّمون قوّة عملهم في مقابل أجر مسعّر وفق معايير السوق المحليّة. إذاً لا يمكن إنكار حقيقة أنهم يعملون، لا بل مضطرون أن يعملوا لمواصلة الحياة. هذا العمل قد يكون نظامياً أو مخفياً. هنا فقط يجب النظر إلى النتائج. بالتالي فإن قرار وزارة العمل هو لتأكيد المؤكّد فقط والتعامل مع نتائجه الحاصلة حتماً. أما الطعن في القرار فهو، من وجهة اقتصادية، ليس أكثر من وهم.



الفلسطيني ثانياً
- قرار وزير العمل سمح للأجانب بمزاولة 600 مهنة، بينما ضبط المهن الواجب حصرها باللبنانيين وحدهم. القرار يحمي اللبناني ويمنحه الأولوية في الأعمال، وفي درجة ثانية الفلسطيني باعتبار القانون، وفي الدرجة الثالثة الأجانب من باقي الجنسيات. وبذلك لن يمنح وزير العمل موافقات مسبقة لإجازات عمل لأجانب إلا إذا كانت مبررة. بهذا المعنى، الفلسطيني له أولوية على الأجنبي وليس على اللبناني. ويعتبر المستشار القانوني لوزير العمل عصام إسماعيل، أن القرار هو حماية للاقتصاد في ظل فوضى التوظيف، كونه يرعى توظيف اللبنانيين ونسبتهم في مؤسّسة مقابل الجنسيات الأخرى.
وبموجب القرار لن يدفع الفلسطيني المولود في لبنان رسوم إجازة العمل التي كانت في السابق تبلغ 3 ملايين ليرة سنوياً، كما صار يحقّ له الانتساب إلى صندوق الضمان الاجتماعي


80 ألف فلسطيني
هو عدد الناشطين اقتصادياً من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في المخيمات في لبنان بحسب إدارة الإحصاء المركزي، أي ما يوازي 5% من مجموع القوى العاملة اللبنانية التي يبلغ عددها 1.6 مليون عامل من بينهم 873 ألفاً يعملون في ما يسمّى الاقتصاد الرمادي أو غير النظامي. أي أن كل القوى العاملة الفلسطينية لا تمثّل أكثر من 9% من مجموع القوى العاملة في القطاع غير النظامي. أما من يعملون بشكل غير نظامي في لبنان فهم في الجزء الغالب لبنانيون وربما بعضهم من جنسيات أخرى أبرزها السوريون.