لم تواجه إسرائيل شخصية كاريزماتية ذات صدقية وتأثير كبيرين على جمهورها وعلى صنّاع القرار فيها، كما هي حالها مع الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الذي تحوّل في الوعي الجمعي للعدو، قادة ومستوطنين، إلى تهديد خاص به، لا يقل أهمية وتأثيراً عن سلاح حزب الله الذي يقوده.وبعد مرور ما يقرب من ثلاثة عقود على قيادته المقاومة، لا يزال حاضراً بقوة في الواقع الإسرائيلي، في مؤسسات القرار ولدى النخب ووسائل الإعلام والأكثر تأكيداً لدى الرأي العام، بل تحوّل في السنوات الماضية إلى «عقدة تأثير» دفعت إسرائيل ولا تزال، إلى البحث في مواجهة تأثيراته وتقليص تداعياته السلبية عليها.
منذ اللحظات الأولى لبدء قيادته، مرّ تعامل الجهات المختصة لدى العدو مع شخص نصر الله بمراحل متعددة، إلا أن الجامع المشترك في كل منها هو حضور استثنائيّته وتأثيراته، الأمر الذي صدر فيه تأكيدات على لسان كبار المسؤولين الإسرائيليين، إن في مرحلة ما قبل التحرير عام 2000، أو ما أعقبه. انسحب الأمر على مرحلة عام 2006 والحرب التي بادر إليها العدو في حينه، إلى حد أن دُفع الرئيس الإسرائيلي السابق، شمعون بيريز، خلال شهادته أمام لجنة فينوغراد التي بحثت في فشل الجيش الإسرائيلي أمام حزب الله في تلك الحرب، للقول إن أحد أسباب نصر حزب الله على إسرائيل هو أن «هناك في الطرف الآخر (لبنان) شخصاً مثل حسن نصر الله، في مقابل قادة وضباط ثرثارين في إسرائيل».
استطاع حزب الله، في ظل قيادة نصر الله، أن يحرّر معظم الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، وأن يصدّ خطط العدو ويمنعه من فرض إرادته على لبنان، عبر توفير مظلة حماية لم يسبق أن شهدها لبنان في تاريخه، كما استطاع أن يغيّر معادلات الصراع العربي الإسرائيلي، مع دور حمائي فعّال امتد خارج لبنان، وإن مع الصلة، لحفظ محور المقاومة على مستوى الإقليم.
وليس خافياً، وهو ما رشح في إعلام العدو، قرار تل أبيب في مرحلة ما بعد حرب عام 2006، بعدما لمست تهديد شخص نصر الله ودوره في خلال الحرب بوصفه عاملاً من عوامل فشلها، أن تغيّر تعاملها المعلن مع مواقفه وخطبه وما يصدر على لسانه من تهديدات ومعادلات، رغم وضاعة النتيجة وتعذّر المعالجة الإحباطية الإسرائيلية لهذه التأثيرات، كما ثبت في الأعوام التي أعقبت الحرب.
الجديد الآن، في مرحلة الضغوط وتأليب اللبنانيين على المقاومة، هو الترقي الإسرائيلي درجة، وربما درجات، في التعامل مع شخص الأمين العام لحزب الله، ليلاقي العدو أعداء ومنافسي الحزب في الداخل، وذلك باتجاه المسّ بمكانته والحد من كاريزميّته، ومن ثم بصورة المقاومة قبل الاستحقاقات الداخلية، التي تراهن عليها إسرائيل وما يصطفّ إلى جانبها. وهنا ترد محاولة إسرائيلية نشرت أمس في ملحق صحيفة «إسرائيل اليوم»، التي جهدت إلى حد الإفراط في محاولة الإضرار بصورة نصر الله.
تقرير «إسرائيل اليوم» مشبع بالافتراءات، ضمن ما يمكن وصفه بالحرب النفسية في درجات ومستويات متقدّمة. وهدفه الجمهور اللبناني، لأن الجمهور الإسرائيلي أثبت إلى الآن أنه لا يتفاعل كثيراً مع ما ينقض صدقية نصر الله، وإن على لسان المسؤولين الإسرائيليين، الأمر الذي يمكّن مِن وضع التقرير في خانة الحرب النفسية الإسرائيلية على الذات، إلى جانب كونها حرباً نفسية (وهي كذلك) مخصصة لجمهور الأعداء، لأهداف آنية.
يشدد التقرير، بمضمونه الأوسع، على إفهام الجمهور الإسرائيلي أن مستوى ارتداع حزب الله وقيادته عن المبادرة ضد إسرائيل انطلاقاً من لبنان كبير جداً، رغم أن لحزب الله القدرة على الإضرار بإسرائيل، في المقابل. كذلك، يشدد تقرير الصحيفة على ما يرد من اتهامات الداخل لحزب الله، والتعامل معها بوصفها حقائق، في طلب للنتيجة ذاتها: تشويه الصورة. مثل الإشارة إلى دور في غسل الأموال، وقيادة عمليات الصيرفة في لبنان، وإلى تجارة المخدرات، وتجارة الأعضاء البشرية على تقارير أخرى. وهو ما يؤمل منه أن يتفاعل في لبنان أكثر، لحث اللبنانيين وتأليبهم على المقاومة، مع قرب الاستحقاقات الداخلية.
الافتراء لا يلغي الإقرار بالعكس: «لا يزال نصر الله العدو الأخطر على إسرائيل. فهو يعرفنا جيداً أكثر من الجميع»؛ «زرعَ الإحباط لدى الجمهور الإسرائيلي وردع الجيش الإسرائيلي عن عملياته»، و«نتيجة أفعاله، تعهّد كل المرشحين لرئاسة الحكومة عام 1999 بالانسحاب من لبنان إن جرى انتخابهم، وانتخب (رئيس الحكومة الأسبق إيهود) باراك، ووفى بوعده».
«يوجد في حوزة نصر الله 150 ألف صاروخ، يمكنها الوصول إلى أي نقطة في إسرائيل»، «نصر الله هو شخصية فريدة جداً، كاريزما مطلقة، وذكاء بمستوى رفيع، ولا بزال هو الخطر الأول، إذ يعرف كيف يحلّل الأوضاع، ويفهم الفروق السياسية، مع اتجاهات تفكير الجمهور والرأي العام».
بين هذا وذاك، تبرز أسئلة: ما الذي يدفع العدو إلى رفع درجة التحريض ومحاولة التأليب وتشويه الصورة، رغم كل الجهود والمساعي المبذولة في لبنان إلى حد الإشباع، ضمن السياق والأهداف نفسها، وهي مساعٍ تصل إلى الجمهور اللبناني، ومن شأنها التأثير به أكثر بكثير من محاولات إسرائيلية في الاتجاه نفسه؟ فهل فقدت إسرائيل الثقة بأتباعها، أو أتباع حليفتها الأكبر؟