هل نحن على عتبة اتفاق جدّي بين إيران والولايات المتحدة وأوروبا بشأن الملف النووي؟يصعب على كثيرين تقصّي معطيات مباشرة حول ما يجري في فيينا وعواصم أخرى. لكن التفاؤل الحذر الذي عبّر عنه الجانب الإيراني قبل أسابيع، عكس اختراقاً ما. وهو ما عزّزه الموقف الإسرائيلي «الرسمي» بأن الاتفاق إن تم لن يكون أمراً مفاجئاً، بل قال إسرائيليون إنه قد يكون جيداً التوصل الى اتفاق في حال عدم وجود بديل واضح كضربة لإيران تقودها أميركا.
عملياً، يتصرّف الجميع على أننا أمام أسابيع حاسمة. في الغرب يتحدثون عن جولات خاصة الشهر الجاري، وفي إيران لا يستبعدون اتفاقاً قبل عيد النوروز في آذار المقبل. لكن الجديد الذي أكدته مصادر وثيقة الصلة بالملف، يتعلق بموافقة أميركية أولية على إطار اتفاق أعدّته روسيا بالاتفاق مع إيران، وسط إشارات إلى تبدّل واضح في الموقف الأوروبي الذي كان شديد السلبية سابقاً ليتحوّل الى داعم لاتفاق أشمل.
لا يمكن الجزم بنوع المحادثات التي جرت قبل توقف المحادثات فجأة، وعودة الوفود الى بلادها للتشاور قبل نحو أسبوعين. لكن ما حصل هو أن اجتماعات عقدت بصورة غير علنية سهّلت التوصل الى تفاهم يسرّع المباحثات بين الأطراف المعنية. وعلمت «الأخبار» أن اجتماعاً أمنياً رفيع المستوى عقد بين الجانبين الأميركي والإيراني مهّد لعدد من الخطوات. وبينما يتستّر الجميع على طبيعة الاجتماع ومكانه، إلا أن المصادر تشير الى أنه عقد في ألمانيا خلال زيارة سرية لرئيس المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز الى برلين، علماً بأن صحيفة «وول ستريت جورنال» نشرت الخبر، وقالت إن الزيارة سبقت بأسبوع زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن للمنطقة، وإنها مرتبطة بالحدث الروسي ــــ الأوكراني فقط.

إطار الاتفاق
وفيما ران الصمت على الدوائر المعنية حول نتائج التواصل الأمني الأميركي ــــ الإيراني، كان لافتاً أن تغييراً كبيراً ونوعياً طرأ على تركيبة الوفد الأميركي إلى مفاوضات فيينا، وأُعلن بعد زيارة بيرنز استقالة عضوَين من الوفد هما: نائب المبعوث الأميركي الخاص بشأن إيران، ريتشارد نيفيو، وكبيرة المستشارين في مكتب الرقابة على التسلح في الخارجية الأميركية، أريان تاباتاباي. وورد أن الاستقالتين مرتبطتان بخلافات داخل الفريق على آلية التعامل مع الجانب الإيراني، مع الإشارة الى أن الاثنين شكّلا جبهة مواجهة مع المبعوث الأميركي الخاص بإيران روبرت مالي، والذي يتهمه صقور الإدارة بأنه يدعم اتفاقاً لمصلحة طهران. لكن الأهم هو أن ما بين الحدثين، تبيّن أنه طرأ تطور في الموقف الأميركي من المفاوضات، وقالت مصادر من طهران لـ«الأخبار» إن الوفد الإيراني فوجئ بتجاوب أميركي سهّل الاتفاق على ثلثَي نقاط البحث، وإن ما بقي عالقاً يعدّ في إطار النقاط غير القابلة لنسف الاتفاق، وهو ما دفع بالوفد الإيراني الى العودة سريعاً الى إيران للتشاور والحصول على غطاء للمضيّ قدماً في المباحثات النهائية.
وفي هذا السياق، تقول مصادر تتابع المحادثات عن كثب إن الجلسات الأخيرة بين الوفود شهدت نقاشاً لطرحٍ إيراني ــــ روسي حول رفع العقوبات والعودة الى بنود الاتفاق النووي. وتؤكّد المصادر أن الولايات المتحدة أبدت موافقتها على أغلب بنود الخطة الإيرانية ــــ الروسية، وأن احتمال عقد اتفاقٍ جديد بين إيران والمجموعة الدولية خلال الأسابيع المقبلة أصبح مرجّحاً. وتضيف المصادر إن المباحثات التي جرت في فيينا خلال الثلث الأخير من كانون الثاني تمحورت حول طرحٍ صمّمته إيران وروسيا وقدّمته للمجموعة الدولية، وإنّ الولايات المتحدة وافقت على أغلب بنوده، بشكلٍ فاجأ المفاوضين الإيرانيين.
التوافق الحالي بين إيران والدول المفاوضة يترجم الى رفعٍ شبه كامل للعقوبات الأميركية على بيع النفط الإيراني، وتلك التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب خلال ولايته، إضافة الى استعادة طهران لكلّ أرصدتها المجمّدة حول العالم (لم تفصّل المصادر مستوى العقوبات الأخرى التي وافق الأميركيون على تعليقها). في المقابل، ستوقف إيران، بموجب العرض الجديد، تخصيب اليورانيوم الى مستوى 20 و60%. وفيما يظلّ اليورانيوم المخصّب الى درجة 20% في إيران تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذريّة، سيتمّ شحن اليورانيوم العالي التخصيب بنسبة 60% الى روسيا. أما في ما يتعلّق بآلات تخصيب اليورانيوم، فينصّ العرض الإيراني ــــ الروسي على وقف العمل بالمعدّات التي يمنعها الاتفاق النووي الأصلي عام 2015، ولكن مع بقائها في التخزين داخل إيران تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذريّة.

هواجس وطلبات إيران
من الجانب الإيراني، تقول المعلومات إن نائب وزير الخارجية، علي باقر كاني، عاد الى طهران لعرض المستجدات، وللحصول على تفويض أكثر وضوحاً ليس من الرئيس إبراهيم رئيسي فقط، بل من المرشد السيد علي الخامنئي الذي يصرّ دوماً على اتفاق واضح وبعيد المدى مع كامل الضمانات التي تثبت رفع العقوبات وتمنع العودة إليها استنسابياً.
بالنظر الى الموقف الأميركي الجديد وموافقة القيادة الإيرانية على خريطة الطريق التي تمّ التوصّل إليها، تزداد حظوظ عقد صيغةٍ جديدة من الاتفاق النووي مع إيران، يكون لروسيا فيها دورٌ تنفيذي مهمّ فيها. في الوقت نفسه، تقول المصادر إن هناك احتمالات قائمة لعرقلة الاتفاق، من بينها المعارضة المحتملة لمستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك سوليفان و«صقور» الإدارة الأميركية الذين يعارضون إبداء الليونة تجاه طهران.
في موازاة هذا البحث، قال متابعون إن المشكلة ليست محصورة في بنود أوراق التفاوض الحالية، بل في ما خصّ مرحلة ما بعد الاتفاق. إذ إن إيران ليست متحمّسة لعودة سريعة الى اتفاق عام 2015 من دون الحصول مسبقاً على ضمانات أكيدة حيال الأمور الآتية:
ــــ رفع كل العقوبات الأميركية والأوروبية والأممية التي اندرجت تحت خانة مواجهة البرنامج النووي، مقابل التزام إيران وقف التخصيب، لكن مع حقّها في الحصول على تعهّد يضمن استعادة ما قد يتمّ تخزينه في موسكو في حال تراجع أي طرف غربي عن الاتفاق.
ــــ رفع العقوبات التي تحول دون قيام إيران بتصدير ما تشاء من نفطها وغازها الى أي دولة في العالم، وتحرير كل العمليات المالية الخاصة بهذه الصفقات من دون أيّ عراقيل.
طهران: نتعاون في أي مفاوضات بما لا يتجاوز مصالح القوى الاقليمية الحليفة


ــــ تحرير قطاع التجارة العالمية لإيران بما يسمح لها بالتعاون مع أي شركة في العالم لتطوير برامج التنمية داخلها على الصعد كافة، من البنى التحتية الى المرافق الحيوية الى الصناعات المدنية على أنواعها. وأن لا يبقى هناك أيّ عائق يلزم أيّ شركة في العالم بالحصول مسبقاً على إعفاء أميركي للقيام بعمل تجاري مع إيران.
ــــ أن تلتزم أميركا منع إسرائيل من القيام بأيّ عمل ضد الاتفاق أو ضدّ إيران، لأن طهران حاسمة بأن أي عمل إسرائيلي إنما هو عمل أميركي في حقيقة الأمر، وأن لا قدرة لإسرائيل على القيام بأيّ خطوة من دون غطاء من واشنطن.
ــــ أن تلتزم السلطات الأميركية كافة بالاتفاق، وأن لا يقتصر الأمر على توقيعه بقرار صادر عن البيت الأبيض، ما يعني أن على الإدارة الأميركية البحث مع الكونغرس الأميركي في صيغة تثبت أيّ اتفاق، وتمنع الحكومة من أيّ خطوات استنسابية.

أوروبا وقطر
من جهة أخرى، علمت «الأخبار» أن اتصالات جانبية تجرى بين إيران وعدد من العواصم الأوروبية المعنية، لتوسيع نطاق الشراكة في مرحلة ما بعد الاتفاق. ويبدو أن إيران سمعت كلاماً أوروبياً واضحاً عن استعداد للمضيّ في اتفاقات طويلة الأمد شرط إنجاز الاتفاق مع الأميركيين أولاً، وهو أمر لا ترفضه إيران، لكنها ترى في الاشتراط الأوروبي بأن تكون الاتفاقات معها لاحقة للاتفاق الأساسي، نقطة ضعف في الموقف الأوروبي.
كذلك، شدد الجانب الإيراني أمام الجهات الأوروبية المعنية بملفات حساسة في المنطقة، على أن كل الملفات المتعلقة بما يجري في الشرق الأوسط لن تكون بنداً على أي طاولة مفاوضات، لا الآن ولا في أي مرحلة لاحقة. وأن طهران مستعدة للتعاون والمساعدة بما لا يتجاوز مصالح وحسابات القوى الإقليمية الحليفة لها من العراق الى اليمن الى سوريا الى لبنان وفلسطين.
ويبدو أن هذه النقطة مدرجة في جدول أعمال عواصم عدة، وسط سعي خاص من بعض الدول للقيام بدور يتجاوز استضافة الاجتماعات الى دور الوسيط الفعال، وهو ما تشير إليه مصادر مطّلعة، بالقول إن قطر تعرض بأن تكون وسيطاً لتفاوض مباشر بين أميركا وإيران لمعالجة ملف العلاقات الثنائية والقضايا العالقة بين الطرفين. وتستند الدوحة الى العلاقات الاستثنائية التي تربطها بالإدارة الأميركية من جهة، ومحافظتها على علاقات قوية مع إيران طوال الفترة الماضية. ويبدو أن القطريين يحاولون الاستفادة من تجربة الوساطة التي قاموا بها بين الأميركيين وحركة طالبان، وأثمرت اتفاقاً على انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان قبل بضعة أشهر.