لم يكن شارل جبور يمثل نفسه في الكلام الذي أدلى به، أخيراً، على إحدى محطات التلفزة. فالرجل كان يُفرغ حمولته السياسية بتوتر شديد وهيجان متدفّق لإيصال رسالة واضحة وصريحة، هادفة إلى إعلان المواجهة مع حزب الله كجزء من خيار إقليمي. فهو، كما أعلن، مع بعض الخليج لأنه تبنّى القضية اللبنانية، وهنا بيت القصيد. الترجمة العملية لهذا أنه منذ أن كانت «حالات حتماً»، بكل تشعّباتها التقسيمية وتحالفاتها مع العدوّ الصهيوني، لم يتغير شيء لدى هؤلاء. ما تغيّر فقط هو الظروف، لكنّ العقلية بقيت، واستمر ضخّ التحريض والعدائية وإحياء روح الانقسام والفدرلة في الحزبيّين والأنصار مكتوماً، في انتظار لحظة مؤاتية، وقد كانت 7 أيار واحدةً من هذه «اللحظات» تم التحضير لها جيداً وتجهيز المجموعات، قبل أن تُجهض في مهدها.لذا، عندما وقع انزياح في مواقف بعض دول الخليج نحو العلاقة مع الصهاينة، اعتبرت القوات أن هؤلاء تبنوا فكرها ونهجها، وأتوا إلى ساحتها، ووجد رئيس القوات، المسكون حتى النخاع بـ«متلازمة المقاومة»، ضالّته في المواقف الخليجية.
ما حمل جبور على القول إن هذا الإسلام من العصر الحجري (لأنه يحمل فكراً مقاوماً رافضاً للظلم والظالمين ويعادي إسرائيل)، عدم تناسبه مع تطلعات القوات التي لا تمانعه «إسلاماً» داعشياً ودموياً وسفّاحاً ومضطهِداً... بل المهم أنه مستعدّ للتصالح مع إسرائيل والقبول بالتطبيع معها.
ذروة الانفعال لدى جبور كشفت مستوراً عميقاً يؤرّق القوات ويُثقل كاهلها ويمنعها من المضيّ في مشروع تحوّل لبنان إلى قاطرة للتطبيع، عبّر عنه جبّور المأزوم بـ«التجليطة». وهذه لم تكن «زحطة» أو زلّة لسان، بل هي تعبير حقيقي عن قناعة راسخة لدى مجموعة لا تزال تعيش أحلامها المميتة، ولم تتعلّم الدرس من الماضي وويلاته التي جلبتها خياراتها على اللبنانيين، وخصوصاً المسيحيين منهم.
لقد كشفت القوات عن وجهها الحقيقي من دون تجميل، وسقطت كل ادّعاءات القداسة والوطنية والزهد ونظافة الكفّ... فإلى متى ندفع ثمن مغامرات البعض وتصرفاتهم النزقة تمزيقاً للبنان وتشتيتاً لأبنائه من أجل أحلام مستحيلة؟
* قيادي في حزب الله