كل الإشارات تؤكد، بما لا لبس فيه، أن «الدولة العميقة» لن تسمح بأي تقدم في ملف التحقيق مع رياض سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك، كما في ملف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان. فكلما تجرأ قاض على المضي في التحقيقات يُعاقب أو يُزاح. البداية كانت مع المدعي العام في جبل لبنان القاضية غادة عون وانتهت مع المحامي العام التمييزي بالتكليف القاضي جان طنوس.قبل أسبوعين، ولدى دخول القاضي طنوس بمؤازرة من جهاز أمن الدولة إلى بعض المصارف للحصول فوراً على كل البيانات الخاصة بحسابات رجا سلامة، في إطار تنفيذ أمر قضائي لاستكمال تحقيقات مفتوحة في هذا الشأن، طلب النائب العام التمييزي غسان عويدات من طنوس الانسحاب وتأجيل مهمته. يومها خضع عويدات لضغوط سياسية من الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري، وتلقى اتصالاً من ميقاتي يهدّد فيه بالاستقالة في حال إكمال طنوس مهمته (راجع «الأخبار» الأربعاء 12 كانون الثاني 2022).
خضوع عويدات لأوامر ميقاتي وبعض الجهات الحزبية والمالية لم يتوقف هنا. الجديد تمثل في قرار عويدات بمنع سفر طنوس إلى باريس الاثنين الماضي للمشاركة في اجتماع قضائي حضره قضاة من دول تلاحق سلامة في قضايا فساد واختلاس أموال، من بينها فرنسا. وكان من المفترض أن يخصص الاجتماع لتبادل المعلومات حول ملف سلامة وشقيقه ومساعدته وآخر المعطيات التي وصل إليها كل قاض في بلده، واستكمال التنسيق على صعيد الدول.
طنوس المُكلّف التحقيق بهذا الملف في لبنان لم يحضر. والسبب أن عويدات راسل السلطات الفرنسية، السبت الماضي، طالباً إضافة اسم المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش ليرافق طنوس إلى باريس. رفضت فرنسا الطلب كونه جاء في اللحظات الأخيرة فيما سبق لعويدات أن أكدّ حضور طنوس المعني بهذا الملف مطلع الشهر الجاري.
الموقف الفرنسي أثار استياء عويدات الذي ردّ بلهجة تصعيدية، فألغى مشاركة طنوس، مشيراً إلى عدم قبوله بأن تُحدّد له أي جهة عمله، وبأنه الأدرى بمصلحة لبنان، وأن من صلاحياته فقط تحديد الفريق الذي سيحضر من دون تدخل أي طرف آخر.
قرار عويدات إدراج اسم حاموش في اللحظات الأخيرة أثار استغراباً، خصوصاً أن لا علاقة للأخير بملف سلامة. وقد حاولت «الأخبار» الوقوف على رأي عويدات وحاموش، إلا أنهما لم يجيبا على الاتصالات.
أدرج عويدات اسم حاموش في اللحظات الأخيرة، فرفضت باريس ومُنع طنوس من السفر


ويرى متابعون أن الضربات القضائية تتوالى بتوافق بين أركان الحكم في لبنان والإدارة الأميركية على حماية سلامة. إذ إن لبنان كان يشكو من بطء تعاون القضاء الأوروبي معه، وكان اللقاء فرصة للاستحصال على كل المعلومات التي توصلت إليها الدول المعنية والتعويض عن إحباط مساعي طنوس بضغط من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي واستجابة عويدات المباشرة لهما، وبضغوط قوية تقوم بها المصارف. وعلى ما يبدو، فإن هناك قراراً بدفن كل ما يتعلق بسلامة والدائرة المقربة منه، علماً أنه سبق للقصر الجمهوري والقنوات الديبلوماسية أن تبلغت إصراراً فرنسياً على متابعة مسار التحقيقات حتى النهاية، حتى في حال حصول تضارب في المصالح مع ما يريده ميقاتي المقرب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.