«أزمة وجودية» تواجهها زراعة التبغ مع اعتكاف عدد كبير من المزارعين جنوباً عن الزراعة بسبب الفرق الشاسع بين كلفة الإنتاج والمردود. ففي ذروة التحضير لموسم جديد، تخطّى سعر صرف الدولار أخيراً الـ 30 ألف ليرة، ما حال دون قدرة مزارعين كثر على رعاية مزروعاتهم، ولا سيما رشّها بالمبيدات وغيرها من أدوات الإنتاج لارتباطها بالدولار. وتشير معلومات إلى أن نحو 35% من المزارعين قرّروا هجر حقولهم الموسم المقبل، خصوصاً بعد تحديد «الريجي» تسعيرة الكيلو الواحد من التبغ بين 40 ألف ليرة و50 ألف ليرة، وهو ما وجده المزارعون أنه لا يتلاءم مع الكلفة المرتفعة للإنتاج.ميلاد نعمة الله، من بلدة القليعة (قضاء مرجعيون)، علّق هذا العام انتسابه إلى «نادي» مزارعي التبغ. منذ عقود، اعتاد على زرع حوالى ثلاثين دونماً. لكنّ «التكاليف باتت اليوم أعلى من المردود»، خصوصاً مع افتقاد المزارعين، منذ بداية الأزمة الاقتصادية، للتقديمات التي كانت توفّرها لهم إدارة حصر التبغ والتنباك، من أكياس خيش وأسمدة ومبيدات. تقديمات كانت بمثابة البحصة التي تسند الخابية. حسين سليم مسار، من بلدة حولا في القضاء نفسه، قرّر أيضاً أن يحذو حذو نعمة الله هذا العام، إذ إن «كلفة حراثة الدونم الواحد تصل إلى 300 ألف ليرة». أما من لا بدائل أمامهم، كرائف أيوب من حولا، فاختاروا «الصمود» عسى أن «يحدث شيء ما يغيّر الأحوال».
التكاليف أعلى من المردود وتقلّص في تقديمات «الريجي»


رئيس نقابة مزارعي التبغ في لبنان حسن فقيه أكد لـ«الأخبار» أن «جهوداً تُبذل لاستنباط حلول ولو مؤقّتة لأزمة المزارعين»، لكن «لا حلول جذرية ممكنة هذا الموسم». كالعادة، ما من بحث في رؤية استراتيجية لدعم قطاع الزراعة عموماً، بل عمليات «ترقيع وشحادة». إذ يلفت فقيه إلى أن اقتراحاً طُرح على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بـ«بطاقة تمويلية لمزارعي التبغ وتأمين السماد للمزارعين على نفقة وزارة المالية». إلا أن ميقاتي استمهل الأمر «في انتظار انتهاء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للبدء بمعالجة الأزمات المتفاقمة في كل القطاعات». كما تقدّمت «الريجي» بطلب إلى وزارة المالية لإدراج المزارعين على لوائح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، «إلّا أنّ المعوقات كبيرة في هذا الإطار أبرزها اعتبار الحكومة اللبنانية مزارعي التبغ هيئة غير منتظمة، وعدم قدرة الصندوق على تغطية نفقات منتسبين إضافيّين في ظلّ تراكم مستحقّاته لدى وزارة المالية».