ينسب جورج سوروس نجاحه في عالم الاستثمارات المالية إلى نظرية الانعكاسية (reflexivity) في الاقتصاد. تقول هذه النظرية إن المستثمرين في الأسواق المالية لا يستثمرون وفقاً للأسس الاقتصادية، بل يتبعون رؤية مغلوطة لوقائع السوق ناتجة عن انعكاس حلقة التلقيم الراجع الإيجابي التي تطغى في أسواق التداول. بكلمات أبسط، المستثمر الذي يسعى إلى جني الأرباح من «لعبة البورصة» عليه أن يكون متفائلاً بأداء السوق وإلا لن يستثمر فيه. هذا التفاؤل لدى المستثمر وأمواله المستثمرة تينعكس ايجابياً من خلال المساهمة بارتفاع «القيمة» في السوق. ثم يؤدي ذلك إلى تعزيز التفاؤل في السوق ويرسّخ الرؤية الإيجابية له، ما يجعل المستثمر يتجاهل الأسس الاقتصادية التي يفترض أن تحقّق التوازن وتحدّد القيمة الفعلية للسوق، ويجعله يقول «السوق بألف خير!». بما أن هذا الخطاب الإيجابي يطغى على المستثمرين، تبقى السوق بخير رغم انعدام التوازن بين القيمة الواقعية لها ووهم القيمة الذي تعكسه المداولات، إلى أن تنفجر الفقاعة وتحصل أزمة انكفاء وكساد (وتصحيح لقيمة السوق). طبعاً، كل ذلك يفترض أن السوق حرة ولا ضوابط على الأسعار إلا عرض وطلب المستثمرين الساعين وراء مداخيل تحقّقها لهم أموالهم من دون أن يحتاجوا إلى العمل. وإن كانت أسواق العملات والسلع والأسهم والأوراق المالية ومشتقاتها هي الأكثر انتشاراً معظم سنين سوروس التسعين على هذه الأرض، يمكن النظر إلى ظاهرة التجارة في سوق الفِيَش غير القابلة للتبادل (NFTs)، على أنها انعكاس رقمي للانعكاسية التي يتحدث عنها سوروس. فهناك فائضٌ من الايجابية بين مستثمرين يضخّون أموالهم في ملكية النسخات الأصلية لملفات رقمية يمكن استنساخها حرفياً بكبسة زر. وطبعاً هناك عرض وطلب أعطيا هذه الفِيَش قيمة سوقية. لكن انطلاقة صرعة اقتنائها الربيع الماضي لا تُبرّر اقتصادياً إلا على أنها إدراك مفاجئ لقيمة نشأت من لا شيء وباتت تنعكس تداولاً وأرباحاً وخسائر في سوق. هي حتماً فقاعة وستعود قيمتها في نهاية المطاف إلى لا شيء.
لكن سوروس يقول إن الانعكاسية بالنسبة له هي فلسفة يطبّقها في كافة نواحي الحياة، ومنها نظرته إلى المجتمع المنفتح الذي يروّج له حول العالم. وفي شرحه لفلسفته في مقال طويل في «فاينانشال تايمز»، يستخدم مثالاً عبارة «هذه لحظة ثورية» على أنها عبارة انعكاسية وتعتمد قيمتها الحقيقية على الوَقْع الذي تحدثه. أي أنه يقول في حال دخلت العبارة في ما يسميه حلقة التلقيم الراجع الإيجابي، فقد تلقى سوقاً يتداولها، وتُحدث التأثير المرجو منها. ليس المطلوب من «الثوّار» إلا الإدراك أن اللحظة فعلاً ثورية وينعكس ذلك وضعاً مؤاتياً للثورة. في المقابل، طبعاً، هو أن انعدام التوازن بين الواقع وتفاؤل «الانعكاسيين» قد ينتج وَقْعاً معاكساً. فما يقوله سوروس، وفقاً لكل ما نعرفه عن رجلٍ نذر نفسه لخدمة امبريالية واشنطن الديمقراطية، هو أن وَقْع «اللحظة الثورية» إما يكون ثورة ملوّنة…أو جلّ ما ينجزه هو إنتاج فقاعة من المجتمع المنتفخ.