الوصف الأدقّ الذي تتداوله السوق عن القرار الذي اتُخذ أول من أمس في الاجتماع الذي عقد في السراي الحكومية برئاسة وحضور سلامة ووزير المال يوسف الخليل، هو أن سلامة يبذّر الدولارات أو ما تبقى منها لحماية ميقاتي من انهيار كبير لسعر الليرة مقابل الدولار. فالمعروف أنه مهما حاول مصرف لبنان أن يسحب كمية من الليرات من السوق، فإنه مُلزم بأن يضخّ كمية كبيرة في نهاية كل شهر لتغطية مصاريف الدولة من رواتب وأجور وسواها من مدفوعات بالليرة، وأنه مهما امتصّ كميات من الليرة، سيعود في نهاية الشهر إلى ضخّ كمية مقابلها. بالتالي فإن القول بأن السيطرة على كميات الليرة المتداولة يؤدي إلى تهدئة السوق أمر مضلل.وعلى الضفّة الثانية، أي ضفّة ضخ الدولارات مقابل امتصاص السيولة بالليرة، فإن الهدف الآني واضح لجهة منع تدهور الليرة بشكل متسارع، إنما هو هدف يأتي بكلفة هائلة على الاقتصاد والمجتمع ويوفّر حماية كبيرة للمضاربين على الليرة. فبحسب المعلومات، عمدت المصارف منذ صباح أمس إلى شراء كميات كبيرة من الليرات الورقية مقابل شيكات مصرفية وبحسومات تتراوح بين 6% و10% لشراء الدولارات الرخيصة على سعر منصّة «صيرفة». ولا شكّ في أن المصارف تنوي القيام بدورات من المضاربة على الليرة من بيع الدولارات للصرافين، أو استبدالها بشيكات ثم شراء ليرات من السوق... وبمجمل هذه العمليات ستحقق المصارف أرباحاً كبيرة أو سيتوفّر لها تمويل رخيص بالدولار.
هو «سيرك» مالي - نقدي، على حدّ توصيف أحد المسؤولين المصرفيين. «سيرك» يشارك فيه الكلّ بدرجات معرفة متفاوتة، وبأدوار مرسومة مسبقاً، وهو حالياً بإدارة الثنائي ميقاتي - سلامة. الخليل لا دور له في هذه العملية سوى أنه وزير للمالية. سلامة هو العقل المدبّر لإدارة هذه العملية، وهو الجهة الممولة أيضاً. فهو من يضخّ الدولارات، ومن يجمع ما تبقى منها. والمعروف أن غالبية الدولارات التي يتم ضخّها في السوق عليها طلب من التجار والمستوردين. بهذا المعنى، فإن قرار الثنائي ميقاتي - سلامة بضخّ الدولارات هو تبذير للذخيرة الأساسية لدى لبنان. والخشية أن يأتي يوم تتبخّر فيه هذه الذخيرة ولا يعود لدى لبنان سوى الذهب لتبديده أيضاً. فعلى ماذا يتم تبديد الذخيرة؟ «على استمرارية ميقاتي في الحكم» بحسب أحد المطلعين. فمن أجل أن يتمكن ميقاتي من القيام بكل ألاعيبه السياسية، مثل التفاوض على جلسة لمجلس الوزراء لمناقشة الموازنة قبل إنجازها في وزارة المال، أو التحامل على طرف سياسي ما دون غيره، أو أي خطوات تتطلب تكتيكاً في التقدّم والتراجع السريع، يفترض أن تكون لديه تغطية ما من نوع ضخّ الدولارات في السوق وتبذيرها لإغشاء الجميع. المشكلة في هذا الأمر، أن تقلبات سعر الصرف انسجاماً مع سلوك ميقاتي والتغطية التي قدمّها سلامة، تبدّد ما تبقى من ذخيرة.