لا شيء، في الظّاهر، يوحي بأنّ طرابلس مقبلة على انتخابات نيابيّة حاميّة، يُرجّح أن التنافس فيها سيكون على أشدّه، خصوصاً على المقاعد السنّية، انطلاقاً من معطيات عدة، أبرزها أنّ المدينة التي تجمعها مع قضاء المنية - الضنّية دائرة انتخابية واحدة (الشّمال الثانية)، هي أكبر دائرة انتخابية سنّية في لبنان تضمّ 8 نواب سنّة (5 في طرابلس و2 في الضنّية و1 في المنية)، و3 نوّاب في طرابلس للأرثوذكس والعلويين والموارنة.فتح باب الترشّح للانتخابات النّيابية المقبلة أمس لم يغيّر شيئاً في الهدوء الذي تشهده طرابلس وقضاء المنية ـ الضنّية. فإلى غياب الحملات الانتخابية، لم تشهد هذه الدّائرة حتى الآن أيّ تحرّك للمرشّحين، باستثناء عدد قليل من المغمورين الذين بدأوا رفع صورهم وشعاراتهم.
مراقبون يردّون ذلك إلى 3 أسباب: الأول شكوك تراود كثيرين حول احتمال تأجيل إجراء الانتخابات وتمديد ولاية المجلس النّيابي، والثّاني تفشّي موجة جديدة من فيروس كورونا ما أعاق حركة المرشّحين، والثّالث الأزمة المعيشية والاقتصادية التي تجعل أغلب التيّارات والأحزاب والشّخصيات السّياسيّة والنّواب والمرشّحين محرجين أمام ناخبين يعانون من تداعيات هذه الأزمة على كلّ الصّعد.
غير أنّ خلف الخمول الذي يسود الأجواء الانتخابية في دائرة الشّمال الثانية أسباباً أخرى، منها أن غالبية الأحزاب والتيّارات والشّخصيات السّياسية لم تحسم خياراتها بعد، وتشهد ثغرات وإرباكات داخلية.
تيّار المستقبل، الطرف الأقوى في هذه الدّائرة استناداً إلى نتائج انتخابات 2018 التي فاز فيها بخمسة مقاعد سنّية يبدو الطرف الأكثر إرباكاً. فأبرز وجوهه في طرابلس، النّائب سمير الجسر، أعلن أنّه لن يترشّح للانتخابات، فيما يسير حليفه الأبرز النّائب محمد كبّارة على خطى الجسر. ورغم معلومات عن أن الأول يهيئ نجله غسّان للترشّح بدلاً منه، ويُحضّر الثاني ابنه كريم للغاية نفسها، إلا أن ذلك يعني أنّ القاعدة الشّعبية للتيّار الأزرق في المدينة ستفتقد نائبين كانا في الواجهة خلال الدّورات الانتخابية المتتالية منذ انتخابات 2005، فيما هناك طامحون كثر للحلول مكان النّائبة ديما جمالي أبرزهم النّائب السّابق مصطفى علوش.
هذا الإرباك المستقبلي جعل أغلب التوقّعات واستطلاعات الرأي تشير إلى صعوبة فوزه بثلاثة مقاعد سنّية في المدينة، وترجح خسارته أحدها لمصلحة آخرين، يتقدمهم رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) في الشّمال طه ناجي الذي يرى أنّ الانتخابات السّابقة «سرقت» منه فوزاً بالمقعد النيابي، وفرضت انتخابات فرعية رفض خوضها وأهدت المقعد لجمالي.
في المقابل، يتوزع خصوم تيّار المستقبل في عاصمة الشّمال على مروحة واسعة. الوزير السّابق أشرف ريفي أبرز هؤلاء، إلى جانب بهاء الحريري الذي افتتح الشهر الماضي مكتباً لحركة «سوا لبنان» في المدينة، وسط توقّعات ترجّح تحالفهما في مواجهة تيّار المستقبل في هذه الدائرة.
أغلب التوقّعات تشير إلى صعوبة فوز المستقبل بثلاثة مقاعد سنّية في المدينة


وهناك أيضاً الجماعة الإسلامية التي ترى أوساطها أنّ الفرصة سانحة أمامها لحصد مقعد نيابي في دائرة تعتبرها مركز ثقل رئيسياً لها.
ويزيد الأمور إرباكاً وترقّباً موقف الرئيس نجيب ميقاتي بعد أيّام من تأليفه الحكومة في 10 أيلول الماضي، من أنّه لن يبتّ بأمر ترشّحه للانتخابات من عدمه إلّا قبل ساعات من إقفال باب الترشّح في 15 آذار المقبل، تاركاً الباب مفتوحاً أمام سيل من الأسئلة حول أسباب موقفه، وهل له علاقة بتحالفاته السّياسية أم بالأجواء المرافقة للانتخابات، أم لعدم فتح الباب باكراً أمام نفقات مالية باهظة بعد إقفال تيّار المستقبل حنفية المساعدات، وانسحاب النّائبين السّابقين محمد الصفدي وروبير فاضل من المشهد الانتخابي في المدينة؟
وحده النّائب فيصل كرامي أعلن استعداده لخوض الانتخابات، وأعلن عمله على «نسج تفاهمات مع الحلفاء الثابتين» الذين ليس ميقاتي من بينهم «لأنّ القانون الانتخابي يجعل تحالفنا مستبعداً»، على عكس النّائب جهاد الصمد، صاحب الحضور القوي في الضنّية، إذ أكّد كرامي «أنّنا سنكون سويّاً كتفاً لكتف في الاستحقاقات والقضايا الأساسية».
وإذا كان أحد مقعدي الضنّية محسوماً للنّائب الصّمد الذي يملك قاعدة شعبية واسعة وصلبة، فإنّ المقعد الآخر الذي سيذهب على الأرجح إلى تيّار المستقبل، بحسب التقديرات واستطلاعات الرأي، لا يزال اسم من سيشغله غامضاً بسبب «طحشة» المرشّحين عليه، في انتظار قرار قيادة تيّار المستقبل سواء لجهة الإبقاء على ترشيح النّائب سامي فتفت أم لا، والأمر نفسه يسري على مقعد المنية السني الذي يشغله النّائب عثمان علم الدين.