تخوض القوات اللبنانية الانتخابات المقبلة على قاعدة أنها «محطة مفصلية أساسية من مفاصل الحياة السياسية، لأنها تزيد من إمكانات المواجهة». بهذا المعنى، لا تتفق مع حلفاء وأصدقاء لها يرون أن الانتخابات النيابية لن تغيّر شيئاً ما دامت «سيطرة» إيران وحزب الله في لبنان على ما هي عليه.ثمة من يعتبر أن القوات توقف عقارب الساعة وعملها على توقيت الانتخابات، فلا تعمل في السياسة إلا وفق هذا المنظور. لا يشكل ذلك عاملاً سلبياً للقوات التي تقول إن اللبنانيين وصلوا إلى مفترق أساسي بين خيارين، إما سلوك سبيل التغيير أو البقاء في حالة مأسوية تترافق مع انهيار اقتصادي ومالي ومعيشي غير مسبوق، وبين مشروعين سياسيين أحدهما أوصلهم إلى الحال الراهنة، والآخر قادر على إنقاذ البلد.
(أ ف ب )

المشكلة اليوم أن البعض ينتظر المتغيرات الإقليمية والدولية وحوار إيران مع واشنطن أو السعودية من أجل التغيير الداخلي. فيما ترى القوات عكس ذلك، استناداً إلى أن لدى الناس إرادة تغيير حقيقية يجب الرهان عليها، تماماً كما حصل في 14 آذار 2005، وفي 17 تشرين الأول 2019 على رغم محدوديته. فالدعم الخارجي يصبح رافعة إذا تحرك الداخل لا العكس. لذلك لا يفترض التقليل من شأن الناس، فبقاء القاضي طارق بيطار في منصبه، مثلاً، يتم بإرادة شعبية، وردود رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على حزب الله وفي موضوع المعارضة البحرينية كلها أعمال داخلية تعكس طبيعة النبض الشعبي الذي لم يعد في إمكان أي مسؤول تخطيه. لذا، تعوّل القوات على الانتخابات على قاعدة الثقة بخيارات الناس الذين يفترض تشجيعهم على المواجهة والاقتراع لا إحباطهم بأن التغيير لن يحصل.
يراهن رئيس حزب القوات سمير جعجع على الانتخابات ويرسم لها حداً فاصلاً بين مرحلتين، ويرسم استراتيجيتها انطلاقاً من هذه الرؤية لتحقيق ثلاثة أهداف، الأول كسر الأكثرية السياسية الحالية، أي تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفائه، لأن هذا الأمر يعني قلب التوازنات السياسية وإعادة لبنان إلى سكته الطبيعية، وكسر الأكثرية المسيحية التي يمثلها التيار الوطني الحر في البيئة المسيحية وهذا يضع المسيحيين بعد كل الخيارات «الكارثية» التي اعتمدها التيار وسياسته في السنوات الأخيرة أمام تحدي اليقظة الحقيقية. والثالث تمكين القوات وحلفائها الذين يلتقون معها في تعزيز حصتها من أجل مشروع المواجهة. وفي هذه النقطة تحديداً، تتخذ القوات مشروعيتها في تعزيز حصتها كونها الأكثر استهدافاً من حزب الله في خطاب أمينه العام أو في خطب مسؤوليه، الأمر الذي يجعل من الانتخابات ضرورة لتحصين حصتها النيابية، لتمكينها من تعزيز مواجهتها كتفاً على كتف مع حلفائها.
لا تواصل حتى اللحظة مع «المستقبل» في انتظار قرار الحريري من المشاركة في الانتخابات


تدرك القوات حجم المعركة المقبلة لأنها ليست معركة تحديد أحجام فقط، بل معركة مصير الوضع اللبناني برمته، خصوصاً أن الطرف الآخر لا يحقق فوزاً شعبياً كما حصل في العراق مثلاً، وهذا يعطي صورة على المأزق الذي وصل إليه. من أجل ذلك، ثمة رهان على التحالفات الواسعة، وهي تتعاطى بواقعية مع ضرورات التنسيق مع حلفاء وأصدقاء لها في عدد من الدوائر الأساسية، رغم أنها لا تميز دائرة على أخرى، ولا تخوض معركة في بعبدا أو بيروت بأقل مما تخوضه في دائرة الشمال الثالثة، إلا أن التمايزات تفرض نفسها في العلاقة مع الحلفاء أو الأصدقاء، وفي أهمية الدوائر التي تفرض واقعاً مسيحياً خالصاً أو مشتركاً يحتاج إلى تعزيز الصلات الشعبية والانتخابية.
هناك ثلاثة مستويات من التحالفات تنتظر استكمال جعجع حسم لائحة المرشحين القواتيين، وإن كان بعضهم بات معروفاً ومتداولاً. المستوى الأول التحالف مع شخصيات سياسية وازنة برزت في إطار 14 آذار أو خلال 17 تشرين وهي تتقاطع وطنياً وسيادياً مع القوات. هذه الشخصيات على تنوّعها سيبدأ الحديث معها جدياً بعد استكمال المرحلة الأولى، رغم أن بعضها بدأ اتصالاته على هذا الأساس. المستوى الثاني، هو التحالفات السياسية الكبرى. حتى الآن ما هو ظاهر أن القوات تبادل الحزب التقدمي الاشتراكي الود، لكن من دون التقدم بعد تفصيلاً بأسماء مرشحيهما الخاصين أو الذين يفترض أن يختاروهما سوياً. علماً أن النقاشات بدأت خجولة داخل المجموعات الضيقة حول بعض الأسماء وإمكان تداولها طائفياً ومذهبياً، فيما هناك شبه إصرار لدى كل فريق على حصص خالصة الولاء له حتى لا تتكرر تجارب غير مشجعة حصلت أخيراً، بتفرد نواب في كتل نيابية بقرارهم بعيداً من قرار قيادات كتلهم. وما يميز هذا التفاهم أنه يكاد يكون الوحيد الثابت والمعلن بين القوات وحلفائها من قوى وشخصيات سياسية. المستوى الثالث هو العلاقة مع الواقع السني. وهذه العلاقة ثابتة كون الخطاب السياسي للقوات يلتقي مع خطاب هذه القاعدة. من هنا تتواصل القوات مع قيادات سنية مناطقية تلتقي وإياها على خطاب سياسي واحد خصوصاً تجاه حزب الله وإيران. في المقابل، لا تواصل حتى اللحظة مع تيار المستقبل، في انتظار أن يتبلور قرار الرئيس سعد الحريري، وأن يطلع عليه جمهوره الذي لا يزال مربكاً حيال استحقاق الانتخابات.
وفق هذه الصورة تصبح معركة القوات الانتخابية سياسية، تنتظر إسقاط أسماء المرشحين الحزبيين، قبل الدخول في مراحل تفصيلية، لأن التحالفات مفتوحة على تشعب بين أحزاب وقوى حليفة ومناطق لها خصوصيتها وشخصياتها. إذ من الصعب في لبنان الرهان على العنوان السياسي وحده سبيلاً إلى ربح المعركة الانتخابية.