ودّع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي السنة بخطابين لا يلتقيان، كما لا يلتقي أحدهما الآخر في مجلس الوزراء. على أن يستقبل اللبنانيون السنة الجديدة بكلمتين ليستا أقل أهمية لكل من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.بحسب المتداول، فإن ميقاتي سيمضي عطلة الأعياد خارج لبنان، فيما تئنّ البلاد تحت وطأة أزمات لا متناهية. صارت مغادرة ميقاتي بيروت أمراً عادياً منذ تولى رئاسة الحكومة، فهو لا يكاد يصل إلى السرايا الحكومية حتى يغادرها في زيارة رسمية للبحث، كما يقول، عن حلول سياسية واقتصادية للأزمات المتراكمة. لكنه في الوقت نفسه يتصرف وكأنه لم تعد تعنيه كثيراً أن تكون حكومته حكومة أشبه بحكومة تصريف أعمال، بعدما قضى أكثر من شهرين في عملية التكليف وأقل من ثلاثة أشهر في حكومة معطلة. ومع الأخذ في الاعتبار تأخير الانتخابات النيابية إلى منتصف أيار، فهذا يعني، عملياً، أن رئيس الحكومة، وفق المسار المعتمد حالياً، قد يمضي أشهراً أطول في تصريف الأعمال من تلك التي قضاها رئيساً لمجلس وزراء يجتمع فعلياً. كما أنه أضاف أمراً جديداً على تعاطيه مع أزمة الحكومة، وتعطيل مجلس الوزراء. فتعليله، في خطابه الأخير، لعدم انعقاده، بات في نظر سياسيين عرفاً جديداً يُضاف إلى الأعراف التي وضعها الثنائي الشيعي سابقاً في التعامل مع مجلس الوزراء. إذ إنه سلّم جدلاً بحجة الثنائي، وأعطاهما ما سبق أن رفضه رؤساء الحكومات السابقون. وإذا كان موقع ميقاتي من معادلة الثنائي الشيعي معروفة، فإن المفارقة أن يسارع نادي رؤساء الحكومات السابقين إلى الردّ على خطاب رئيس الجمهورية في معظم النقاط الواردة فيه، ولا سيما في استعادته للطائف وموضوع اللامركزية الإدارية والمالية. فهؤلاء، في التقاطهم المفاصل الأساسية، غطّوا في موضوع تعطيل مجلس الوزراء ميقاتي الذي بات يسلم بموقف الثنائي. هذه الازدواجية في المعايير والتعامل مع مجلس الوزراء تعني أن رئيس الحكومة هو من يفرّط بالصلاحية المعطاة له، ويثبت سلوكيات جديدة. علماً أن التجربة ذاتها سبق أن خاضها، معكوسة، الرئيس فؤاد السنيورة في الحكومة التي سجل انسحاب الوزراء الشيعة منها وظلت تجتمع في شكل عادي. والمفارقة في أن يتولى رؤساء الحكومات السابقين في ردّهم، نجحوا في تحييد النظر عن الخلاف الأكثر حضوراً اليوم في المشهد السياسي وهو خلاف عون مع الثنائي، وأعادوا تظهير المشكلة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من باب الصلاحيات والطائف. وهو من المفارقات الأساسية التي سجلت في إطار التعامل مع خطاب رئيس الجمهورية، خصوصاً أنهم في إطار اتهامهم عون بسوابقه في التعطيل إنما يشاركون اليوم في تعطيل مجلس الوزراء.
وعلى رغم أن موقف عون معروف من اتفاق الطائف، والانتقادات الكثيرة التي وجهت إليه، إلا أنه قد يكون سجل نقطة في إعادة تعويم الطائف ووضعه مجدداً على الطاولة. فأداء عون وسلوكه منذ أن تولى رئاسة الجمهورية، حمل الكثير من الأخطاء، ولا يشبه بتاتاً فحوى الخطاب الذي ألقاه وكان يمكن أن يشكل، بعناوينه وتفاصيله، وثيقة سياسية لبداية عهده وليس نهايته. لكن استعادة الكلام عن الطائف واللامركزية الموسعة التي يدور نقاش حولها بين الإدارية والمالية ونظرة الطائف إليهما، قد تكون أفضل ما يخرج به العهد كعنوان. مع العلم أنه مطروح على الطاولة منذ سنوات، وكان يفترض بعون وباسيل الذي ينادي به دوماً الدفع به جدياً بدل الإبقاء عليه عنواناً جذاباً للخلاف السياسي ليس إلا.
فحوى خطاب عون كان يمكن أن يشكل وثيقة سياسية لبداية عهده وليس نهايته


إلا أن أخطر ما قاله عون، كرئيس للجمهورية، هو الاعتراف بالخطر على وحدة لبنان ووحدة الدولة والدعوة إلى البقاء في وطن واحد ودولة واحدة. وهذا الكلام، بغض النظر عن الموقف السياسي من عون، هو في نهاية المطاف كلام رئيس للجمهورية، ويعبر فعلياً عن حقيقة الواقع الداخلي، ويعكس الاحتمالات المطروحة على الطاولة لدى الشرائح اللبنانية، وهواجسها الطائفية والسياسية. والتلميح إلى أن الوحدة بات مشكوكاً بأمرها، يفترض أن يشكل هاجساً ودافعاً للقوى السياسية في رسم خريطة طريق جديدة، في وقت تصر عواصم غربية على التذكير بضرورة الحفاظ على تماسك لبنان وتبدي خشيتها على مصير هذه الوحدة. لكن ما جرى بين خطابي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، أن ردود الفعل تمحورت حول السياسة الآنية، ودلت على أن الحرتقات لا تزال تتقدم على غيرها، كما تبادل تسجيل النقاط السياسية. وهذا يثير الخشية من أن تكون كل العناوين البراقة والردود المتبادلة، مجرد برامج انتخابية تثير القاعدة الشعبية من الآن وحتى يحين موعد الانتخابات.