منذ بدء الأزمة الاقتصادية، أو الأصحّ بدء التدهور العلني لأوضاع البلاد الاقتصادية وخروج الأزمة الى العلن بعد تحركات 17 تشرين الأول 2019، وما سبقها وتلاها من تهريب الأموال الى خارج البلاد، بدأ الحديث عن أسباب الأزمة من منظّري «الاقتصاد الحر»، ووافقهم على ذلك ممثلو المؤسسات المالية الدولية، وتبيّن لهم أن المشكلة هي في أعداد الموظفين في القطاع العام، وبخاصة دفعة التعيينات الأخيرة التي سمّيت «التعيينات الانتخابية»، وكذلك في أعداد المتقاعدين الذين يشكلون عبئاً على خزينة الدولة.أول ما يتبادر الى ذهن الجهات المالية هو التخلص من الأعداد الفائضة من موظفي الدولة، بصرفهم من دون التفكير بمصيرهم ومصير عائلاتهم، والتخلص من المتقاعدين، وأسهل الطرق أن نتركهم من دون طبابة واستشفاء، وهم في أعمار متقدمة، وبالتالي ندفعهم الى مصيرهم النهائي، فنوفر على الخزينة التي أفرغوها في جيوبهم مبالغ طائلة، وبالتالي ترتاح البلاد والعباد من هذه الفئة التي تستهلك ولا تنتج، وتشكل عبئاً على الأجيال القادمة، وبهذا الاتجاه توالت اقتراحات الصناديق الدولية.
نعم، أصبح المتقاعدون أعداداً زائدة لا فائدة منها. عملوا وتعبوا في مؤسسات الدولة عشرات السنين، والآن شكراً لهم. سنبدأ الاقتطاع من معاشاتهم، ليذهبوا الى مصيرهم.
عمل المتقاعدون عشرات السنين في الإدارة العامة والقوى المسلحة والتعليم ما قبل الجامعي، والجامعة اللبنانية. قدّموا سنوات عمرهم في مؤسسات أحبّوها وأخلصوا لها، واقتطعت شهرياً نسبة عالية من مرتباتهم تحت مسمى محسومات تقاعدية، كي يتقاضوها في شيخوختهم وينهوا بقية أعمارهم بالحد الأدنى من الحقوق في الطبابة والاستشفاء والعيش اللائق.
في الجامعة اللبنانية، كان صندوق التعاضد أهم الإنجازات التي حققتها رابطة المتفرغين، فقدمت حماية صحية شبه كاملة للأساتذة وعائلاتهم، وخلال ربع قرن على بدء عمل الصندوق كان التضييق عليها يتمّ سنة بعد سنة، وتراجعت موازنته قياساً على إعداد المستفيدين المطّرد، وجرى قضم بعض المكتسبات، تحت شعار توحيد الصناديق والتسعيرة. الخ. حتى وصلنا الى موازنة تكاد تكون صفراً. فبعدما كانت نسبة التغطية تصل الى 85% من الإنفاق على الطبابة والاستشفاء، باتت اليوم لا تصل الى 10%.
أمام هذا الوضع المزري الذي يهدّد صحة المتقاعدين وعائلاتهم، فإن التهديد يشمل أيضاً العاملين من الأساتذة في الجامعة وعائلاتهم، ولهذا تحركت رابطة قدامى أساتذة الجامعة اللبنانية باتجاه رئاسة الجامعة اللبنانية، ومجلس إدارة الصندوق ورابطة الأساتذة المتفرغين للتباحث بالأمر والعمل معاً لتأمين التمويل الكافي لصندوق التعاضد، وتوفير الحماية الصحية لكل المنتسبين وعائلاتهم.
إننا ندعم حق الزملاء العاملين في الجامعة في دخول الملاك للمتفرغين، وتفرّغ المتعاقدين بالساعة تأميناً لاستقرارهم المعيشي ومستواه الذي يحاكي خط الفقر، كما ندعم مطالب العاملين في الجامعة على مختلف تسمياتهم، ونناشد الجميع الانخراط في حملة الدفاع عن صحة الجامعة وكل العاملين فيها، وإعادة الاعتبار الى مرتّباتهم التي تلاشت نتيجة السياسة الخرقاء للقيّمين على الشأن العام.
إن أساتذة الجامعة، عاملين ومتعاقدين، لا يمكنهم الركون الى أدواتهم والاعتماد عليها في تحصيل حقوقهم، فهي أعجز من أن تحافظ على حقوقهم، من دون انخراطهم في العمل الجاد لحفظ هذه الحقوق. وهم مدعوّون الى اعتماد كل الوسائل النضالية، بما فيها دفع روابطهم ودعمها لمتابعة مصيرهم الصحي الذي بات أولوية بعد الارتفاع الجنوني في كلفة الطبابة والاستشفاء. ونهيب بالزملاء عاملين ومتقاعدين بدء التحرك وبأسرع وقت ممكن لتأمين التمويل الكافي لصندوق التعاضد، بعدما باتت مرتّباتنا لا تكفي لتغطية أكلاف الأدوية والفحوصات.
وأخيرا، تقصّدنا ألّا نقارن أوضاع المتقاعدين في لبنان بما هي عليه في الدول المتحضّرة التي توفر الضمانات لكبار السن، بصرف النظر عن مساهمتهم في الضريبة العامة، لأننا في بلد أرادوه أن يكون في عداد البلدان الأكثر فقراً، والأقل احتراماً لحقوق الإنسان.
د. شبيب دياب
رئيس رابطة قدامى أساتذة الجامعة اللبنانية