التشكيك بظاهرة التغيّر المناخي صار من الماضي بعدما أقرّت كل دول العالم بخطورتها، وبعدما أصبحت التغيرات المناخية المدمرة أمراً ملموساً مع الارتفاع الاستثنائي في أعداد الحرائق في السنتين الأخيرتين، فضلاً عن موجات الحر الطويلة والجفاف والفيضانات والأعاصير والمتساقطات المتطرّفة.مع ذلك، تغيب أزمة احترار الأرض في الإعلام العربي واللبناني، وإن حضرت فبشكل سريع وسطحي وملحق للقاءات السياسية. فلا تزال هذه المسألة الوجودية، بالنسبة إلى وسائل الإعلام، «مجرّد مسألة بيئية». وفي لبنان، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية، تعدّ بالنسبة إلى البعض ترفاً نظراً إلى الواقع الصعب الذي «يبرر» لكثيرين قطع الأشجار الحرجية والاستثمار فيها لتلافي برد الشتاء.
بحسب حبيب معلوف، لا يزال التغير المناخي في لبنان متراجعاً عن القضايا السياسية والاقتصادية، ويأتي في الدرجة الخامسة من الاهتمام. أما الإعلام العربي، فليس مواكباً ولا يضع التغير المناخي ضمن الأولويات والتغطيات كماً ونوعاً فتكون هذه غالباً إخبارية، من دون الاهتمام بتغطيات موسعة ومعمّقة.
كلام معلوف جاء في إطار ندوة افتراضية بعنوان «تغيّر المناخ: الأزمة التي لا يتحدث عنها الإعلام»، عقده مركز الأبحاث في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية. ولفت إلى أن الإعلام الغربي «تأخر كثيراً في الحديث عن الظاهرة، مع العلم بأن التقارير الدولية بدأت تصدر منذ أكثر من ربع قرن، وتؤكد أن تغير المناخ سببه إنساني بنسبة 90 في المئة»، والسبب أن «كثيراً من وسائل الإعلام حول العالم تموّل من اللوبيات النفطية التي تضغط لبث تقارير مضادة لتغيّر المناخ، وزرع الشك بأسبابه، والادعاء بأنه ظاهرة طبيعية، وهذا استمر حتى اتفاقية باريس، وصدور 6 تقارير دولية أساسية، بمعدل تقرير كل 5 سنوات، اشترك فيها خبراء من جميع أنحاء العالم، أثبتت بما لا يدعو إلى الشك أن الإنسان مسؤول عن احترار الأرض».
من جهته، رأى الباحث في كلية الزراعة والعلوم الغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت رامي زريق أن الإعلام «لا يسلط الضوء على اضمحلال الأمن الغذائي في لبنان، بل أكثر من ذلك هو لا يعرفه». فحتى «خبراء الأمن الغذائي يخلطون بينه وبين الاكتفاء الغذائي. ويعرّف الأمن الغذائي بكونه الغذاء السليم والصحي للجميع بكميات كافية لحياة صحية. وعليه، فإنّ 70 في المئة في اللبنانيين يفتقدون الأمن الغذائي».
لا يزال التغيّر المناخي في لبنان متراجعاً عن القضايا السياسية والاقتصادية


ما علاقة ذلك بتغيّر المناخ؟ يقول زريق إن تغيّرات المناخ «لها تأثيراتها الكبيرة ولا سيما على الإنتاج المحلي في لبنان، حيث يوجد نحو 180 ألفاً من صغار المزارعين سيؤثر تغير المناخ على معيشتهم وقدرتهم على تلبية حاجاتهم من السوق. إضافة إلى أن لبنان يستورد 80 في المئة من حاجاته الغذائية من بلاد مختلفة، وهؤلاء عندما تضربهم تغيّرات المناخ سيتوقفون عن التصدير، وفقط البلدان الغنية ستتمكن من شراء الغذاء. أما الفقيرة، ومنها لبنان، فستقع في ورطة. وهذا ما يستوجب التوعية ومنح الناس المعلومات الكافية من أجل الاستعداد لآثار التغيرات المناخية، ولا سيما في وسائل الإعلام الجماهيري».
بدورها، أكدت الأستاذة في كلية الإعلام مهى زراقط أن التغيّر المناخي «موضوع آني وخطير وهو أزمة يجب على الإعلام مواكبتها. ورغم أن العالم العربي، ولبنان من ضمنه، مهدّد بقوة من تبعات التغير المناخي، إلا أن التغطية لا تزال دون المستوى. وأحد الأسباب في التغطية السيئة هو أننا نفكر كإعلام بأنه موضوع لا يخصّنا، وهذا برز في تغطية الحرائق. فرغم التغطيات لها، إلا أنها لم تشر إلى التوقعات بشأنها. أما السبب الآخر فهو أن الحديث عن قضايا البيئة يضع الإعلامي في مواجهة أصحاب المصالح والمافيا الذين يدمّرون الجبال (الكسارات والسدود…)». ودعت طلاب الإعلام إلى متابعة التخصّص في مجال الصحافة البيئية، وخصوصاً أن الجامعة اللبنانية هي الوحيدة التي تدرّس مادة في الماستر 2 هي مادة الإعلام البيئي.