في 17/11/2021 طلبت مؤسسة كهرباء من ديوان المحاسبة إبداء الرأي في رأي سابق له صدر في 26/10/2021 والمتعلق بتحديد التعديلات التي يمكن إجراؤها على القوانين والأنظمة التي تحكم عمل مؤسسة كهرباء لبنان في علاقتها مع شركات مقدّمي خدمات التوزيع، ولا سيما أن الديوان كان قد ميّز بين «الخدمات» و«الصلاحيات». الرأي السابق خلص إلى الآتي: «إذا أرادت مؤسسة كهرباء لبنان نقل الصلاحيات المالية الخاصة بموظفيها ومستخدميها إلى شركات التوزيع وتقديم الخدمات، فإنه عليها، عملاً بمبدأ موازاة الصيغ، تعديل نظامها المالي بما يجيز تفويض الشركات القيام ببعض الأعمال التي لا تتعدّى إطار الخدمات، على أن لا تصل إلى حدود التعاقد على الوظائف التي يجب أن تبقى محفوظة للمؤسسة ومستخدميها، وإذا أرادت المؤسّسة نقل صلاحياتها إلى القطاع الخاص فعليها استصدار قانون خاص يسمح لها بذلك».إذاً، المسألة واضحة في ضوء ما هو مطروح اليوم. فوزارة الطاقة تسعى إلى تعديل عقود مقدّمي الخدمات، وتبرّر خطوتها بأن هناك حاجة إلى زيادة إنتاجية الشركات من خلال إزالة العوائق التي كانت تكبحها سابقاً. ويأتي هذا الطرح في معرض انتهاء عقود الشركات في نهاية السنة الجارية. هنا حصل جدال حول أحقية الشركات بالحصول على تمديد مبرّر قانوناً بقرارات تمديد المهل الصادرة في فترة إغلاق البلد بسبب جائحة «كورونا»، وبين مسألة تعديل العقد وتجديده. طبعاً طرح التجديد يأتي من باب ضيق الوقت بين فترة انتهاء العقود وبين الوقت اللازم لإعداد مناقصات جديدة. هكذا طغت فكرة تمديد العقد، إنما مع تعديله. ومن ضمن التعديلات المقترحة أن تُمنح شركات مقدمي خدمات التوزيع صلاحيات إضافية لجهة إصدار الفواتير وقبضها وتسطير محاضر الضبط وجبايتها أيضاً...
في هذا الإطار، طلبت مؤسسة كهرباء لبنان رأياً استشارياً من ديوان المحاسبة للتمييز بين الخدمات والصلاحيات التي يمكن منحها إلى الشركات والتعديلات النظامية والقانونية المطلوبة لمنحها مثل هذه الخدمات أو الصلاحيات. لكنّ المؤسسة لم تكتف بهذا الرأي، بل طلبت منه تفسير رأيه الأول أكثر تفصيلياً يتعلق بأربع مسائل:
- نقل مهامّ إصدار فواتير الاشتراك بالتيار الكهربائي وطباعتها إلى شركات مقدّمي خدمات التوزيع.
- إيلاء شركات مقدّمي خدمات التوزيع عمليات القبض المتعلقة بفواتير الكهرباء ومحاضر المخالفات من خلال أمناء صناديق تابعين عقدياً لهذه الشركات.
- تقسيط وتسعير المحاضر للمخالفين من قبل شركات مقدّمي خدمات التوزيع.
- إلغاء القيمة النقدية لفاتورة الكهرباء التي تصدر عن المؤسّسة.
بالنسبة إلى النقطة الأولى، يشير الديوان إلى أن نقل مهامّ إصدار فواتير وطباعتها إلى شركات مقدّمي الخدمات، يجب أن يحصل ضمن ضوابط تُبقي مسؤولية المحتسب العمومي باعتباره إحدى القواعد الأساسية التي قامت عليها المحاسبة العمومية، وبالتالي فإن استصدار قانون من أجل إناطة مهمّة إصدار الفواتير بشركات مقدمي الخدمات يجب أن يُبقي المحتسب في المؤسّسة مسؤولاً عن هذه العملية. وبالنسبة إلى طباعة الفواتير، فإنه يمكن تلزيم مناقصتها إلى القطاع الخاص حينما لا تتوفر لدى مؤسسة كهرباء لبنان الإمكانية التقنية لفعل ذلك، على أن تبقى صلاحية الإبرام للمحتسب، فضلاً عن أنه يجب أن يكون لجوء المؤسسة إلى تلزيم عملية الطباعة «مبرّراً في الحالات التي تتجاوز إمكانات الإدارة أو في الحالات التي تحقّق خفضاً في نفقاتها».
وفي ما خصّ قبض الفواتير ومحاضر المخالفات، فإنه بموجب المادة 44 من النظام المالي لمؤسسة كهرباء لبنان، كل الفواتير التي يجري دفعها من قبل الزبائن والمتأخّرات والمحاضر تُستوفى بواسطة أمناء صناديق تحت إشراف المحتسب... لكنّ الديوان أشار إلى أنه «نظراً إلى أهمية عملية التحصيل والفصل بين عملية القبض والدفع من قبل أمين الصندوق من جهة والإشراف عليها من قبل المحتسب من جهة أخرى، فإن مؤسسة كهرباء لبنان ترى أنه يقتضي استصدار قانون لتخويل شركات مقدّمي خدمات التوزيع القيام بعمليات القبض المتعلقة بفواتير الكهرباء ومحاضر المخالفات».
النظام المالي لمؤسسة كهرباء لبنان لا يُجيز تفويض الشركات القيام بما يتعدّى إطار الخدمات


ولفت الديوان، بالنسبة إلى مسألة تقسيط وتسعير المحاضر للمخالفين من قبل مقدّمي الخدمات، إلى أن مؤسسة كهرباء لبنان «من خلال قيامها بضبط المخالفات وتنظيم محاضر ضبط، تمارس وجهاً من وجوه الضابطة الإدارية بوصفها جهة حكومية رسمية، وتقسيطها وتسعيرها يجب أن يبقيا في عهدتها لأنهما صلاحيات متكاملة... وإناطة صلاحية التسعير والتقسيط بالقطاع الخاص عبر استصدار قانون خاص، تؤدّي إلى تجزئة صلاحيات متكاملة».
ولم يرَ الديوان مانعاً من اعتماد نظام التسديد الإلكتروني في المؤسّسة، لكنه أشار إلى أن وزارة المال اعتمدت هذا الأمر من خلال قانون الإجراءات الضريبية ولا سيما المادة 58 منه التي تضمّنت ما يجيز تسديد الضرائب والرسوم الخاضعة لنظام الدفع المسبق لدى أيّ من المصارف الخاصة أو مكاتب «ليبان بوست» أو أي شركة أخرى تتعاقد معها الوزارة لهذا الغرض، لكنه ذكّر بأن «وزارة المال أحاطت هذه العملية بإجراءات تضمن سلامة العلاقة بينها وبين المكلّف الذي يستخدم النظام الإلكتروني»، قبل أن تخلص إلى أنه في إطار اللجوء إلى استصدار قانون من أجل تطبيق كل الإجراءات المحدّدة في النقاط الأربع، «فإن ضمان عملية إصدار الفاتورة الإلكترونية يكون بإدراجها في نصوص قانونية كما فعلت وزارة المال».