أفرزت الأزمة الاقتصادية فقراء جدداً وأجبرت معظم أفراد الأسر على الالتحاق بسوق العمل لتأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة. بسبب ذلك، أجبر أطفال كثر على عيش حياة الراشدين، والعمل في أعمال هامشية منذ ساعات الفجر الأولى لتأمين مبالغ مالية زهيدة يعيلون بها عائلاتهم.ومع شيوع ظاهرة عمالة الأطفال، بدأت جمعيات العمل على خطّ «الدعم النفسي الاجتماعي المركّز» لمعظم الأطفال، من بينها جمعية «سنابل الجنوب» التي قامت أخيراً بنشاط دعم موجّه للأطفال العاملين في مجال الزراعة في بلدة عيترون الجنوبية (قضاء بنت جبيل). صحيح أنها ليست المبادرة الأولى من نوعها، إلا أن لعيترون «خصوصية»، إذ إنها قرية تعتمد بشكلٍ رئيسي على الزراعة، والعدد الأكبر من العاملين فيها هم من الأطفال. الهدف من النشاط، بحسب رئيس الجمعية علي بزي، «توعية كل من الأطفال وأرباب العمل على حقوقهم، مع التركيز على عدة أمور منها ما يتعلق بعدد ساعات العمل ووقت الراحة وتأمين الملابس والأدوات المناسبة للحفاظ على صحة الأطفال».
في الظاهر، قد يلتزم أرباب العمل بـ«برنامج» التوعية، لكن على أرض الواقع ثمة استغلال واضح من قبل هؤلاء للأطفال، أضف إلى ما يمارسه الأهل أيضاً بحقهم. وفي هذا السياق، ومن نتف القصص التي تروى، أسوأ ما يمكن أن يواجهه الأطفال هو العمل بدواماتٍ... مفتوحة، بلا أدنى اعتبار لساعات العمل المحددة بالقوانين، على ما يقول بزي، والقيام بأعمالٍ جسدية مرهقة ومؤذية لصحتهم.
عمالة بلا حقوق وعنف جسدي وجنسي ضد الأطفال


ويشير المتطوع في الجمعية، علي فرحات، إلى ما يتعرض له الأطفال، حيث السلامة الذاتية مهددة غالباً «إذ إن ملابسهم غير مناسبة وملوّثة بشكلٍ كبيرٍ مما يعرضهم للجراثيم وأمراض شتى، كما أن أرباب العمل يستغلون عمر هؤلاء ورضاهم بالقليل ولا يسعون بالتالي لتأمين الملابس المصنوعة من النايلون مثلاً أو حتى الأدوات الوقائية المناسبة لحمايتهم كالخوذة أو القفازات المخصصة للعمل في الأرض أو الأقنعة الواقية من سموم المبيدات الحشرية التي يرشونها في الخيم الزراعية».
ولا تتوقف الممارسات الخاطئة عند الملابس ومستلزمات الحماية، بل تتعداها إلى العنف الجسدي «والجنسي أيضاً، إذ إن بعض الفتيات، وحتى الفتية، يتعرضون للتحرش الجنسي من قبل أصحاب العمل، ومع ذلك يتابعون أعمالهم خوفاً من خسارة مصدر رزقهم».
ليست أزمة أرباب العمل هي الوحيدة، فثمة مسؤولية أيضاً تقع على عاتق الأهل الذين يرمون بأولادهم في تلك الأعمال لحاجتهم للمال، «كما أنهم غير مستعدين لحماية أطفالهم إذ إن بعض الأهالي يرسلون أولادهم الأطفال إلى العمل حتى بعد تلقيهم مساعدات، طمعاً بالمردود المادي الإضافي بدلاً من التفكير بمستقبل أولادهم العلمي والصحي».
لا تمرّ دورات الدعم بسلاسة، إذ إنه بحسب فرحات غالباً ما تكشف هذه الأخيرة عن وجود حالات صعبة تستدعي العلاج، لذلك تعمل الجمعية على إحالتهم إلى جمعيات متخصصة للعلاج وتأمين المساعدة اللازمة. أما بالنسبة للبقية، فإن الدورات بكل تأكيد تعجز عن إصلاح ما يفسده الأهل وأرباب العمل.