بسبب قرار مصرف لبنان وقف تمويل مدفوعات «أوجيرو» وشركتي الخليوي، سواء لاستجرار الإنترنت أو لأي مدفوعات تشغيلية أخرى، سيكون قطاع الاتصالات أمام خيارين مُرّين: رفع تعرفة خدمات الاتصالات على المستهلكين أو تمويل الأكلاف الإضافية من الخزينة، أي أن يكون فرق الكلفة بمثابة دعم، علماً بأن الخزينة لا يمكنها تحمّل مثل هذا الأمر.فمنذ أسابيع، قرّر المجلس المركزي لمصرف لبنان تحويل الدولارات التي يطلبها قطاع الاتصالات (أوجيرو وشركتا الخليوي) لتمويل عقود أشغال ومواد وسلع مستوردة على سعر منصّة صيرفة، ما ضاعف مرات عدّة الأكلاف التشغيلية للقطاع. في ضوء هذه التطوّرات، عقدت لجنة الإعلام والاتصالات النيابية جلسة أمس للبحث في الأكلاف التشغيلية للقطاع، وفي مقدمها تأمين المحروقات لمحطات الاتصالات المستعملة من الشركتين وهيئة أوجيرو.
في ما يتعلق بشركتي الاتصالات، أشار رئيس اللجنة النائب حسين الحاج حسن إلى أن الشركتين تشتريان المازوت بالليرة من منشآت النفط على سعر صيرفة، وأن المنشآت تحوّل المبالغ المقبوضة بالليرة إلى دولارات نقدية من خلال مصرف لبنان، مقرّاً بأن ذلك لم يلغ المشكلة الأساسية المتعلقة بارتفاع فاتورة المحروقات على الشركتين. واقتصر النقاش في الجلسة على تداول حلول مرحلية غير محسومة النتائج، كإجراءات تقنية وفنية سيدرسها وزير الاتصالات جوني قرم لخفض كلفة المحروقات.
أما في ما يتعلق بـ«أوجيرو»، فقد تبلّغت أمس من غالبية مورديها عدم تسليمها المحروقات اللازمة للسنترالات. وتشير مصادر «الأخبار» إلى أن «الموردين يرفضون تطبيق العقود ما لم تتضح آلية الدفع وقيم المبالغ، خصوصاً أنهم باتوا يعتبرون عقودهم خاسرة ولا شيء يجبرهم على التنفيذ». وأشارت المصادر إلى أن «أوجيرو طالبت بسلفة عاجلة من وزارة المالية بقيمة 65 مليار ليرة تكفي لشراء المحروقات حتى نهاية شباط المقبل، تفادياً لاحتمال انقطاع الإنترنت خلال عشرة أيامٍ كحدٍ أقصى إذا لم تؤمّن الاعتمادات اللازمة بالليرة». هنا تتخوّف المصادر من رفض رئيس الجمهورية توقيع المراسيم الجوالة، معتبرة ذلك «عقبة إضافية».
نفقات الهيئة بالدولار لا تقتصر على المحروقات، إذ إن لديها عقوداً لشراء مستلزمات تتعلق بالصيانة والتشغيل كالكوابل الكهربائية وقطع الغيار بقيمة 61 مليون دولار سنوياً أي ما يعادل 92 مليار ليرة على سعر صرف 1507. وإذا وافقت «أوجيرو» على تسديد هذه المستحقات على سعر صيرفة نزولاً عند رغبة «المركزي»، سترتفع الكلفة إلى نحو 1300 مليار ليرة، أي أنها ستكون مجبرة على اقتراح مضاعفة الكلفة على نحو 800 ألف مشترك لتغطية الفرق في الكلفة التشغيلية.
أوقف مصرف لبنان تحويل الدولارات إلى الخارج لاستجرار الإنترنت علماً بأن المطلوب دفع 400 ألف دولار فقط


صحيح أنه في الأسبوع المنصرم، أقرّت الهيئة العامة لمجلس النواب قانوناً بمنح «أوجيرو» 350 مليار ليرة إضافية للقيام بأعمالها، إلا أن القانون لم ينشر بعد في الجريدة الرسمية، بل تستبعد المصادر دخوله حيّز التنفيذ قبل شهر شباط. ومن اليوم إلى حينه تصف الفترة بـ«الخطرة».
وفي السياق نفسه، أوقف مصرف لبنان تحويل الدولارات إلى الخارج لاستجرار الإنترنت من باب الضغط لتطبيق قراره. علماً بأن المطلوب دفع 400 ألف دولار فقط، والشركات الموردة لن تنتظر ابتداع الحلول في بلدٍ لا يريد مسؤولوه رفع تعرفة الخدمات بخلفية شعبوية انتخابية، ولا قدرة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة على لجم الدولار، ولا قدرة للحكومة على لجم سياساته النقدية السيئة، ولا قدرة لها أيضاً على التفتيش عن حلول حقيقية.
برأي رئيس لجنة الاتصالات يفترض لجم «هروب مصرف لبنان إلى الأمام»، ودعوته إلى تحويل الدولارات اللازمة للإنترنت. لكن أعضاء اللجنة لم يكونوا على موجةٍ واحدة، بل برزت وجهة نظرٍ أخرى تقول إن «تحميل المسؤولية لمصرف لبنان وحده أمر مرفوض، وقد لا يكون اقتراح الحاج حسن صائباً في ظل الحاجة إلى خطّة اقتصادية واضحة من الحكومة وخطط لكل قطاع على حِدة تعدل بين المواطن والشركات، فمجلس النواب لم يعد يستطيع فعل شيء».
وتطرّقت اللجنة إلى زيادة كلفة تعرفة الاتصالات بكل جوانبها، فتمنى الحاج حسن «عدم الذهاب إلى جيوب المواطنين بل تحفيز الاقتصاد». وجرى التأكيد على أن السعر الرسمي لبطاقات التشريج ما زال على حاله. لكن عجز اللجنة يتبدّى في أنها أوكلت لوزير الاتصالات وشركات الخليوي ملاحقة ومتابعة أي وكيل يزيد السعر من تلقاء نفسه ليحقّق أرباحاً غير مشروعة. علماً أنه يمكن الوزارة أن تقوم بهذه الملاحقة من دون تمنّ.
إذا كانت شركتا «ألفا» و«تاتش» و«أوجيرو» تعاني من النفقات الكبيرة المرتبطة بسعر الدولار، والمواطن بدوره يعاني من تدهور القيمة الشرائية لعملته، فما الحل؟ حتماً ليس ما خلص إليه رئيس اللجنة المعنية بالقطاع اليوم بتصريحه: «ليتفضل المسؤولون ليعالجوا هذا الموضوع من جذوره وليس بالقشور».



تخوّف من أن يطول إضراب موظفي الخليوي
بدأ موظفو الخليوي إضراباً مفتوحاً أول من أمس رفضاً لخرق عقد العمل الجماعي الموقّع بينهم وبين شركتي «ألفا» و«تاتش» ووزارة الاتصالات من خلال عدم زيادة درجة الاستشفاء والطبابة التي يحصلون عليها من درجة أولى إلى درجة ثانية. ونتج من ذلك توقف كل عمليات خدمات الزبائن وإقفال المتاجر، كما توقف الموظفون عن تسليم بطاقات التشريج، وأحجموا عن القيام بكل أعمال الصيانة على الشبكات.
حضرت مطالب الموظفين وإضرابهم أيضاً على جدول أعمال لجنة الاتصالات، لكن النقاش فيها انتهى بالطلب من وزير الاتصالات جوني قرم، ومن مديري الشركتين، تكثيف الحوار مع مجلس نقابة مستخدمي وموظفي الخليوي للوصول إلى حل، خوفاً من أن تطول فترة الإضراب وتعطيل الشبكة.
وكان لمجموعة «وعي» بيان حول الموضوع اعتبرت فيه أنه وإن «كانت أسباب الإضراب مفهومة، إلا أن ظروف التفكير بإمكانية استمرار حصولهم على امتيازات في مثل هذه الظروف هو تفكير غير واقعي وغير عقلاني، ليس فقط لأننا نعيش في ظل انهيار مالي واقتصادي فقط، بل لأن إدارة قطاع الخليوي باتت للدولة والقطاع العام الذي لا يستفيد موظفوه من امتيازات مماثلة. وأن هناك معياراً أساسياً واحداً لمقاربة أوضاع القطاع وتحدياته، وهو الحرص على إنجاحه في ظل الدولة وإدارة القطاع العام. وكل عمل لا يصب في هذا السياق، ويؤدي إلى خلق صعوبات وعراقيل إنما يؤدي خدمة لأباطرة المال الذين ينتظرون لحظة الانقضاض على القطاع لنهشه».