عندما بلغ مدير العمليات السابق في مرفأ بيروت، سامي حسين، سنّ التقاعد، في 20 شباط 2017، كان يطمح إلى شيخوخة هادئة بعيداً عن صخب البواخر والبضائع. لم يدُر في خَلَده أبداً أن يعود إلى المرفأ، بعد ثلاث سنوات ونصف سنة من تقاعده، محور ما تبقّى من العمر... خلف القضبان.بعد انفجار الرابع من آب 2020 لبّى حسين، الذي تجاوز السبعين من العمر، مراراً استدعاء المحقّق العدلي طارق البيطار له للتحقيق معه. لم يفرّ خارج البلاد ولم يحاول مرّة التهرّب من التحقيق. لبّى طلبات الاستدعاء خمس مرات من دون أن يقابله القاضي بسبب تعذّر عقد الجلسات نتيجة إضراب المحامين. المرة الأولى التي استقبله البيطار فيها اتخذ قراراً بتوقيفه. فوراً أصيب بانهيار عصبي، إذ لم يحتمل ما اعتبره ظُلماً لحِق به علماً أنه كان قد أعدّ تقريراً مفصّلاً وحمله معه لعرضه على المحقّق العدلي، كونه خَدَم في المرفأ ثلاثين عاماً.
(هيثم الموسوي)

في الجلسة التي انعقدت يومها، وكانت مقرّرة للاستماع إلى إفادة الوزير السابق يوسف فنيانوس، لم يحضر الأخير، فتوجّه القاضي إلى حسين قائلاً: ««شو هالقوة اللي عندك؟ كيف بتجي لحالك؟ وين المحامي؟». وأضاف: «أنا مستغرب ليه بعدك برّا الحبس». فردّ حسين باستغراب أكبر قائلاً: «إنتو اللي جبتوهن (النيترات)... القضاء اللي جابن وخلّاهن».
كانت ابنته التي تنتظره خارج المكتب تسمع صراخ والدها أثناء اقتياده وهو يقول: «الليلة بدي موت». من هول الصدمة، أصيب بـ«لَقْوة» في وجهه. ضرب رأسه مراراً بالأصفاد التي قيّدت يديه، فحاول عناصر الأمن تهدئته. في النظارة حيث أُوقف، حاول الانتحار بضرب رأسه بالحائط. ورغم سنّه ومعاناته من مرض القلب، وجد الحراس صعوبة في منعه. وعلى الفور، نُقل إلى مستشفى «الحياة» حيث بقي أسبوعين قبل أن يُعاد إلى النظارة حيث تعرّض لجلطات متكرّرة.
ورداً على أسئلة أرسلتها «الأخبار» في مكان توقيفه، يؤكّد حسين الذي كان يُشرف على المصالح ويرفع التقارير الدورية أنّ أصل الخطأ الذي أدّى إلى كارثة الرابع من آب هو أنّ نيترات الأمونيوم التي تُعدّ موادَّ خطرة لم يكن يجب أن تدخل إلى المرفأ. ويلفت إلى أنه لم تكن لديه صلاحية الإشراف على أعمال الصيانة الداخلية للعنابر، وأنّ مهامّه كانت تشمل الكشف عليها من الخارج وإبلاغ مديرية الصيانة في حال وجود أي مشكلة. ويشدّد على «أنني لم أُقصّر في أيّ مكان، وكان رأيي إضافياً لآراء رؤساء المصالح». وعن سبب محاولاته الانتحار، أجاب: «لأنني شعرتُ بالظلم لدى توقيفي إذ لست مسؤولاً عن هذه الفاجعة. كنت رئيساً للمجلس التأديبي قبل إحالتي على التقاعد في شباط 2017، وكنت متحمّساً لإنارة التحقيق لتوقيف المسؤولين الحقيقيين عن هذه الفاجعة، لكن فور حضوري أمام المحقّق العدلي قام بتوقيفي مباشرة». وأضاف: «لا أعرف سبب توقيفي فعلاً لأنني تقاعدت في 20 شباط 2017، محمّلاً مسؤولية الانفجار إلى «من أعطى الأمر للقيام بأعمال التلحيم على باب العنبر والروتين الإداري»، كما أن «هناك مسؤولية كبيرة على القضاء لأن قراراً قضائياً اتُّخذ بحجز البضاعة ما منع التصرّف بها».