في الأيام الأخيرة، سُرّبت معلومات بأن مصرف لبنان سيصدر قراراً يوقف بموجبه تحويل الدولارات إلى البعثات الدبلوماسية اللبنانية في الخارج، قبل أن تسدّد الحكومة قيمتها وفق سعر «صيرفة»، أي نحو 14 ضعفاً مما هي عليه اليوم.ورغم تسرّب معطيات تشير إلى أن القرار اتخذ في المجلس المركزي لمصرف لبنان، إلا أن الأمر لا يزال قيد النقاش بين الحاكم رياض سلامة ووزير المال يوسف الخليل. لكن مجرّد وجود فكرة كهذه، أثار حفيظة وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي. إذ إنها ستفرض على الوزارة خفض النفقات الخارجية مثل الاشتراكات في المنظمات والهيئات الدولية، والخدمات الدولية، ورواتب ومخصّصات البعثات في الخارج، وإيجارات مقارّ السفارات وسائر النفقات الخارجية، وستستنزف الاعتمادات المرصودة في الموازنة لهذه الغاية. وفي الحالتين، فإن ذلك قد يؤدي إلى إغلاق البعثات الدبلوماسية وتعطّل أعمال السفارات.
طوال الفترة الماضية، كانت التحويلات الخارجية للدولة اللبنانية تتمّ كالمعتاد، أي تُحوّل بأمر من وزارة الخارجية وبموافقة المسؤولين عن عمليات الصرف، من حساب الخزينة إلى حساب مصرف لبنان، المبالغ المرصودة لتسديد نفقات البعثات الدبلوماسية وسائر النفقات الخارجية. ويتولى مصرف لبنان تحويل هذه المبالغ بحسب سعر الصرف الرسمي (1507.5 ليرات للدولار). لكن، يبدو أن مصرف لبنان قرّر، بالاتفاق مع وزير المال، الانتقال من السعر النظامي المعتمد في الموازنة إلى سعر منصّة «صيرفة». وأثارت بلبلة في وزارة الخارجية وبين العاملين في السلك الدبلوماسي، باعتبار أن الاعتمادات المرصودة لا تكفي لتغطية تعديل كبير كهذا، كما أنه لم يصدر قانوناً عن الموازنة أيّ تعديل في سعر الصرف الذي تعتمده الدولة اللبنانية، فيما المصرف المركزي هو مصرف الدولة ويفترض أن يؤمن العملات الأجنبية لها. أضف إلى ذلك أنه في حال اعتُمد سعر «صيرفة»، سينخفض راتب الدبلوماسي الذي يتقاضى 10 آلاف دولار شهرياً (15 مليون ليرة) إلى نحو 800 دولار فقط.
قرار المصرف يهدّد بإغلاق بعثات دبلوماسيّة في الخارج


وزير الخارجية عبد الله بوحبيب زار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وتواصل مع وزير المال لاستيضاح ما يجري التحضير له. اعتراض بوحبيب ناتج بشكل رئيسي من أن قراراً كهذا قد يؤدي إلى تعطيل العمل الدبلوماسي في مرحلة حسّاسة من تاريخ البلد تتطلّب وجود سلكٍ قوي. وبحسب مصادر الخارجية، فإن القرار، في حال دخوله حيّز التنفيذ، ينطوي على رسالة مفادها أنه «بات بإمكان الدبلوماسيين اللجوء إلى الفساد للحفاظ على قدراتهم التشغيلية، أو الاستقالة وإقفال البعثات في الخارج». فموازنة وزارة الخارجية هي 80 مليون دولار في السنة، «ولنفترض أنّ نصفها، أو حتى 50 مليون دولار منها، مُخصّصة لتغطية النفقات الخارجية، فهل يصعب على من يقول إنّ لديه توظيفات إلزامية بـ 14 مليار دولار تأمين 50 مليون دولار سنوياً؟». لا تُنكر المصادر وجود حاجة «لوضع خطة تقشّف داخل الوزارة، وحالياً ندرس خفض بدلات الاغتراب بين 20% و30%، وهي نسبة مرتفعة أساساً. ويأتي ذلك بعدما عمل الدبلوماسيون على تغيير عقود إيجارات المقار الدبلوماسية والحصول على أسعار أدنى أو تبديل أماكن سكنهم. وعند انتهاء عقود عمل الموظفين المحليين، لا يتم توظيف أشخاص جُدد كجزء من الخطة التي نسير وفقها في كلّ البعثات. لكنّ الأمور لا تتم بعشوائية وبتغيير سعر الصرف، من دون تعديل الرواتب».
وإضافة إلى انعكاس هذا الأمر على الموازنة وعلى عمل السلك الدبلوماسي، فإن مصرف لبنان يسعى إلى «تشريع» منصّة «صيرفة» ليجمع فيها أكبر قدر ممكن من عمليات التبادل الجارية في السوق، علماً بأنه أضاف إلى هذه العمليات، في الفترة الأخيرة، دولار الـ OMT وسائر مؤسسات التحويل بالوسائل الإلكترونية التي تشتري لحسابه الدولارات من الزبائن. ويبدو أنه حان الآن دور الدولة اللبنانية لكي تدفع له مقابل كل دولار يحوّل إلى البعثات الدبلوماسية في الخارج ما يوازي قيمته بالليرة وفق سعر «صيرفة» أيضاً.
حالياً يتراوح سعر «صيرفة» بين 17 ألف ليرة و19 ألفاً للدولار. وهي منصّة غير شفافة، أي أن أسس التسعير المعتمدة فيها غير واضحة، لا لجهة عمليات البيع أو عمليات الشراء أو لمن تذهب الدولارات، ومن هم المتداولون على هذه المنصّة وسائر المعلومات المماثلة التي تبقى مغفلة. لكن ما بات واضحاً هو أن سلامة يسعى إلى إسباغ شرعية ما على هذه المنصّة لأنها لم تستطع، حتى الآن، أن تستحوذ، كحدّ أقصى، على أكثر من ثلث عمليات الصرافة الجارية في لبنان.