بعد 4 أيام، منتصف ليل 20 الجاري، تنتهي مهلة تسجيل غير المقيمين أسماءهم للاقتراع في الانتخابات النيابية المقبلة. عدد المُسجّلين حتى ظهر أمس وصل إلى 150 ألفاً و409، بزيادة نحو 12 ألفاً عن اليوم السابق له. علماً أن منصات «المجتمع المدني» وتلفزيونات lbc وmtv و«الجديد» نزلت بثقلها، منذ صباح السبت، وأطلقت «ماراثون المغتربين اللبنانيين للتسجيل»، لكنها لم تنجح في الوصول إلى الرقم الذي استهدفت تحقيقه وهو 200 ألف مسجل. استتبع ذلك بنشر «باركود» يتيح الدخول إلى اجتماع عبر برنامج «زوم» للحصول على معلومات إضافية والمساعدة في التسجيل. كما حدّدت مجموعتا «كلنا إرادة» و«نحو الوطن»، بالتعاون مع «مغتربين مجتمعين»، مجموعة نقاط في مدن الاغتراب للتجمع طالبين من كل من يحضر اصطحاب بطاقة هوية لتسجيله أو الاتصال بخط ساخن أو استخدام محرّك التسجيل الإلكتروني الخاص بهذه المنصات للمساعدة. ومن الواضح أن هذه المنصات والمجموعات تعطي أهمية كبيرة لرفع عدد المسجّلين معوّلة على أن غالبية اللبنانيين المهاجرين في العامين الأخيرين تنتمي إلى الفئة الغاضبة من الوضعين الاقتصادي والسياسي، والحانقة على الطبقة السياسية.
أنقر على الصورة لتكبيرها

لذلك جاءت كل الحملات المشجعة على التسجيل للاقتراع تحت عنوان «التصويت الاعتراضي»، أي بهدف الاقتصاص من الطبقة الحاكمة التي دفعت اللبنانيين إلى ترك البلد. لكن اللافت أن من يقدّمون أنفسهم كـ«قوى تغييرية»، عمدوا في الأيام القليلة الماضية إلى استخدام أدوات السلطة نفسها في مسعاهم لمضاعفة أرقام التسجيل في الاغتراب. فقد كشف لبنانيون مقيمون في الخارج عن تلقيهم اتصالات على أرقامهم الخاصة ورسائل على بريدهم الإلكتروني الخاص بمراكز عملهم لحثهم على التسجيل. مصدر «انتهاك الخصوصية»، كما سماها البعض، هم أشخاص عرّفوا عن أنفسهم بأنهم ناشطون في منظمة «كلنا إرادة». وكرّت سبحة الاعتراضات ممن وصفوا الأمر بـ«غير الأخلاقي»، وعند مطالبتهم المجموعة بتوضيح، ردّت «كلنا إرادة» على موقع «تويتر» بأنها حصلت على هذه المعلومات من مصادر متعددة متاحة للعموم ومن منصات مسح متخصصة، وحرصت على استخدامها بما يتماشى مع المبادئ التوجيهية لحماية البيانات. وعقّبت أنها تحترم رغبة البعض بعدم تلقي رسائل إلكترونية من المجموعة. واعتذرت المديرة العامة في المجموعة ديانا منعم عن «الإزعاج»، واعدة بالعمل على مراجعة بروتوكول استخدام الداتا التي بحوزة المجموعة. لكنها أعادت تكرار ما جاء في ردّ المنظمة لناحية الحصول على المعلومات الخاصة من مصادر عامة من دون أن تكشف عن هذه المصادر. علماً أن القانون يحتّم الكشف عن مصدر الحصول على معلومات مماثلة، خصوصاً أنها غير مصرح عنها بشكل عام، مما دفع أحد المغتربين في كندا إلى التبليغ عن هذا الخرق إلى السلطات المختصة بذلك.
«كلنا إرادة» تنتهك خصوصيات مغتربين باختراق بياناتهم


ورأى البعض أن أداء «القوى التغييرية» يتطابق وأداء الأحزاب السياسية التقليدية، حيث عمد كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحركة أمل إلى الاتصال بالمغتربين في الدول الأوروبية بشكل خاص، وفق الطريقة نفسها. وفيما تكشف هذه الأحزاب عن هويتها للمتصلين، قامت المجموعات المدنية بنشر رقم خاص بمركز اتصال من دون تحديد الجهة التي تقف وراءه، ليتبين أن الأمر تمّ بطلب من «كلنا إرادة».
في موازاة ذلك، نشرت المنصة التابعة لـ «كلنا إرادة» و«نحو الوطن» أمثلة مدعمة بالأرقام حول قدرة المغتربين على التغيير في نتائج الانتخابات. وجاء في المنشور أن دائرة بعبدا كانت تحتاج إلى 9702 صوت خلال انتخابات 2018 بالإضافة إلى 4992 صوتاً اقترعوا لـ«الأحزاب البديلة» حتى تنال مقعداً نيابياً. فيما دائرة النبطية، بنت جبيل، مرجعيون، حاصبيا حيث نالت المعارضة 2262 صوتاً، تحتاج إلى 20 ألف صوت إضافي للفوز بمقعد. كذلك تم عرض لواقع أرقام بيروت الأولى والثانية، بعلبك الهرمل، زحلة، البقاع الغربي وراشيا.
على مقلب الأحزاب، ثمة حشد استثنائي يوازي الحملات التي يقوم بها المجتمع المدني في الخارج. وتتفوق الأحزاب السياسية على هؤلاء بخوضها هذه التجربة المرة الماضية وبأنها ناشطة منذ سنوات في الاغتراب، ولكل منها جالية خاصة به كانت تساهم سابقاً في استقدام الناخبين من بلدان الاغتراب إلى لبنان للاقتراع لصالحها. الفارق اليوم أن ثمة من بات ينافسها في ملعبها، وأن المجتمع المدني تعامل مع ملف المغتربين على أنه معترك التغيير الأساسي بما يوحي بأن المعركة الرئيسية بين المجموعات والأحزاب ليست في لبنان بقدر ما هي على أصوات الخارج. علماً أن أرقام انتخابات 2018 لم تكن مشجعة لصالح هذه المجموعات، حتى في الدائرة التي حصلت على النسبة الأكبر من أصوات غير المقيمين، أي دائرة الشمال الثالثة (البترون، الكورة، زغرتا، بشري). فقد بلغت نسبة المسجلين في الخارج نحو 12 ألفاً و337 مسجلاً اقترع منهم 7528 من أصل 171483 مقترعاً أي ما نسبته 6.7%، من دون أن تتمكن هذه النسبة من تحقيق تغيير لصالح «القوى التغييرية». إذ نالت القوات 2899 صوتاً مقابل 1506 أصوات للتيار الوطني الحر و989 للمردة، في حين صوّت 852 مقترعاً من المسجلين في الخارج لصالح النائب المستقيل ميشال معوض الذي خرج من كتلة التيار الوطني الحر لينضم إلى جبهة المعارضة.



الانتخابات في 8 أيار؟
احتفال المعارضة بتصويت المجلس النيابي بأغلبيته لصالح تعليق العمل مرة أخرى بالمادة 112 من قانون الانتخاب 44/2017 المادة 112 التي تتحدث عن تخصيص مقاعد ستة للاغتراب تحدّد بالتساوي ما بين المسيحيين والمسلمين وبالتساوي أيضاً بين القارات الست، بمعنى اقتصار اقتراع غير المقيمين لصالح المرشحين الستة في الخارج، مع الاحتفاظ بحق الاقتراع في الداخل في حال الاقتراع في المراكز المحلية في لبنان؛ لا يعني بأن انتخاب المسجلين في الخارج لصالح المرشحين في الدوائر الـ15 كما حصل في العام 2018 بات نافذاً. إذ يناقش تكتل التغيير والإصلاح التقدم بطعن غداً في المجلس الدستوري حول ثلاث مخالفات: تعديل عدد من مواد قانون الانتخاب المتعلقة بتواريخ ومهل قانونية أبرزها تقصير مهل تجميد القوائم الانتخابية بما يحرم 10685 مواطناً من جميع الطوائف ممن يبلغون عمر الـ21 ما بين أول شباط و30 آذار من حق الاقتراع، تعليق حق المغتربين بانتخاب نوابهم الستة في الدوائر المخصصة لهم، وإسقاط المادة 84 من القانون الانتخابي المتعلقة بالبطاقة الممغنطة. إضافة إلى اعتماد رئيس مجلس النواب نصاب 59 نائباً كأغلبية مطلقة لتثبيت إسقاط مقاعد المغتربين الستة مرة أخرى، بينما يستند التيار إلى الدستور لإثبات أن الغالبية المطلقة تتم باحتساب النواب المسجلين قانوناً لا العدد الفعلي. هذا الطعن الذي سيقدمه العونيون إلى المجلس الدستوري، يفترض أن يتبعه اتخاذ المجلس قراراً بقبوله ودرسه أو ردّه ضمن مهلة شهر من تاريخ تقديمه. وإذا ما قبل الطعن خصوصاً لجهة عدم الموافقة على تعليق المادة المتعلقة بإلغاء المقاعد الستة في الاغتراب، سيقتصر تأثير المغتربين على هذه المقاعد حصراً، مما سيتسبب بخيبة أمل للمراهنين على التغيير من الداخل بواسطة الخارج، إلا في حال قرر هؤلاء الاقتراع في لبنان. وبحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، فإنه لا يمكن التكهن بقدرة غير المقيمين على التأثير في أي دائرة من الدوائر الـ15 قبل انكشاف الرقم النهائي للمسجلين في 20 من الشهر الجاري وتبيان آلية توزعهم على هذه الدوائر. ويقول شمس الدين إن رقم المسجلين قد يكون عرضة للانخفاض خصوصاً لمن لا يتوافر لديه مستند رسمي من نوع بطاقة هوية أو باسبور، خصوصاً من حصل على جنسية البلد الذي يقطن فيه ولم يعمد أخيراً إلى الاستحصال على بطاقة هوية لبنانية، فضلاً عن أن عوامل الطقس خلال آذار في بعض الدول الأجنبية ستحول دون وصول البعض إلى أماكن الاقتراع، إضافة إلى بعد المسافات. من هذا المنطلق، تقول مصادر حكومية مطلعة إن موعد 27 آذار الذي أوصى المجلس النيابي باعتماده عبر تقصيره كل المهل لأجل ذلك، هو موضوع نقاش بين الأحزاب السياسية، ومن المرجح أن يصار إلى اعتماد الموعد الذي سبق لوزير الداخلية السابق محمد فهمي أن حدده بتاريخ 8 أيار.


ماذا بعد 20 تشرين الثاني؟
يقفل باب التسجيل للمغتربين الراغبين بالاقتراع في الخارج بتاريخ 20 من الشهر الجاري، فيما النقاشات الجانبية حول تمديد فترة التسجيل لم تصل إلى أي اتفاق سوى في ما خص تمديد وقت فتح السفارات لتلقي طلبات التسجيل يومياً وأيام العطل. بينما ثمة مشكلة رئيسية تتعلق بعدم القدرة على فتح مراكز إضافية للتصويت كمسعى لتقصير المسافات على المقترعين، وسط تقديرات تشير إلى أن نحو 20% من المسجلين لن يتمكنوا من بلوغ هذه المراكز. وفي هذا السياق كان وزير الخارجية عبدالله بو حبيب قد أرسل رسالة إلى وزير الداخلية بسام المولوي حول صعوبة إجراء الانتخابات خارج الأراضي اللبنانية وفقاً للمهل المعدلة من ناحية التدقيق في طلبات التسجيل وتحديد مراكز للاقتراع ضمن هذه المهل، كما استئجار مراكز جديدة والحصول على موافقات من مختلف الدول. غير أن المولوي نفى لـ«الأخبار» معرفته بالسبب الرئيسي لإرسال بو حبيب هذه الرسالة، مشيراً إلى أن التحضيرات للانتخابات تجري بطريقة «ممتازة ومرضية وبشكل أفضل من الرزنامة المرسومة له». وأشار إلى أنه حتى يوم الجمعة الماضي، بلغ عدد المقترعين الواردة أسماؤهم في اللوائح الواردة إلى الداخلية 99 ألفاً، وهو ما يدل إلى أن لا تأخير حاصل، وإرسال اللوائح يجري تباعاً وبالتنسيق بين الداخلية والخارجية. وأوضح أن وزارة الداخلية سجلت 13 ألف اسم في يوم واحد، وذلك «يؤكد مجدداً أن المدة كافية لتسجيل الجميع». أما الإجراءات المعتمدة لتنقيح اللوائح بعد انتهاء مدة التسجيل، فتتم عبر «تثبت المديرية العامة للأحوال الشخصية من ورود الأسماء المرسلة في لوائح وزارة الخارجية، في السجلات الداخلية، لتقوم المديرية بعدها بتنظيم قوائم مستقلة لكل سفارة أو قنصلية مع وضع إشارة على هذه الأسماء للحؤول دون اقتراعهم في الداخل. يلي ذلك الإعلان عن القوائم الانتخابية الخاصة بغير المقيمين التي يتم إرسالها إلى السفارات لتعميمها وفتح مهلة الاعتراض على هذه القوائم». إذ ثمة أسماء تشطبها المديرية العامة للأحوال الشخصية تلقائياً لعدم توافر الشروط القانونية فيها. يجري ذلك بعد «مطابقة الأسماء مع اللوائح المرسلة من دوائر السجل العدلي والمحاكم العدلية ممن صدرت بحقهم أحكام تمنعهم من الاقتراع أو أحكام بالحجر». من جهة أخرى يقول مولوي إنه «جرى الاتفاق مع وزير الخارجية على الطلب من السفارات والقنصليات المباشرة بتحديد مواقع مراكز الاقتراع في الخارج وفقاً للقانون، وقد بدأت هذه العملية منذ يوم أمس، على أن تحصل ضمن المهلة المنصوص عليها في القانون والمحددة بـ15 كانون الثاني أي في غضون شهرين تقريباً».