بعد إسقاط مشروع البطاقة التربوية في ثمانينيات القرن الماضي، والضمان التربوي قبله بـ 15 سنة، مرّرت السلطتان التشريعية والتنفيذية أخيراً ما يشبههما من خلال قانون الـ ٥٠٠ مليار ليرة، فخصصت 350 ملياراً لدعم التعليم الخاص على حساب مؤسسات الدولة وتعليمها الرسمي، ومن خلال توفير كل عناصر استغلال أهالي التلامذة والهيئة التعليمية فيها ونهب المال العام، تمهيداً لتمرير مشاريع الخصخصة وبيع القطاع العام.ما أُقر يؤكد سياسة الدولة الدائمة الرضوخ لمطالب مؤسسات التعليم الخاص ودعمه على حساب المدرسة الرسمية والجامعة الوطنية اللتين هما، اليوم، في أمسّ الحاجة إلى هذه الأموال للنهوض بدورهما في توفير التعليم المجاني لشرائح المجتمع اللبناني.
كذلك تثبت السلطة، مجدداً، رضوخها لضغوط المدارس الخاصة وعجزها عن خفض قرش واحد من الأقساط الجنونية التي تفرضها مدارس تتلاعب بميزانياتها، متهربةً ومتفلّتةً من القانون 515 الذي يحدد العناصر الأساسية لتركيب الأقساط التي تكوي بنارها أهالي التلامذة سنة بعد سنة، من دون الالتفات إلى الإضرابات والاعتصامات التي ينفذونها طلباً لخفضها من المسؤولين أنفسهم الذين أقرّوا المليارات لصناديق تلك المدارس.
أوليس من الأولى أن تحوّل السلطة الـ350 ملياراً وغيرها من الاعتمادات الضرورية إلى الجامعة اللبنانية والمدرسة والثانوية الرسمية لحل أزمتها وأزمة الإضرابات المفتوحة فيها، ولمعالجة غياب الحد الأدنى من مستلزمات انطلاق العام الدراسي واحتياجات الأساتذة والمعلمين أمام تراجع مداخيلهم أكثر من 90 في المئة، وإيجاد الحلول لمتطلبات لا يمكن للتعليم الرسمي من دونها القيام بوظيفته، بدل اللجوء دائماً إلى مقولة عدم توفر الاعتمادات والتلطي الدائم بعجز الموازنة. في وقت تصبح الاعتمادات متوافرة من المال العام لمصلحة القطاع الخاص والمستفيدين منه.
أمام هذا الواقع، المطلوب اليوم - قبل الغد - سياسة وطنية مسؤولة توفر العناصر المادية والمعنوية للتنافس المشروع بين التعليم الرسمي والخاص، وتأمين مستلزمات ذلك التنافس بدل ترك التعليم الرسمي يتيماً لا يرعاه سوى المخلصين من أساتذته ومعلميه وإدارييه، بينما يتبارى كثيرون لتشويه صورته واتهامه والتلويح بالعقوبات عند الاعتراض.
البلاد منهوبة ومهددة بالتفكك والانحلال ولا خلاص إلا بخطة إنقاذ وطني تقوم بها القوى والهيئات والمجموعات الوطنية والديمقراطية، ولا حلّ للأزمات في لبنان إلا ببناء الدولة المدنية الديمقراطية المنتجة، وعمادها المؤسسات الرسمية والقطاع العام والجامعة والثانوية والمدرسة الرسمية الكفيلة، مجتمعة، ببناء وطن العدالة والمساواة، والمواطن الحقيقي البعيد عن التقوقع والتموضع المذهبي والطائفي، وبما يؤمّن التوجه الوطني الموحّد بعيداً عن التجاذبات المذهبية والطائفية.
* نقابي