لا تحتاج العلاقة بين الرئيس نبيه بري والتيار الوطني الحر إلى كثير من الجهد لقراءة خلفياتها وتأثيراتها المباشرة. إذ لا يكاد يمر أسبوع من دون مشكلة أو صدام سياسي وسجال إعلامي بين الطرفين. واللافت في ما يظهر تباعاً أن بري لا يتراجع خطوة إلى الوراء في تعامله مع الطرف الذي لم تجمعه به ولو حتى «شعرة معاوية». والتوصيف الأكثر وضوحاً في هذه «العلاقة» تعمّد رئيس المجلس عدم إعطاء التيار في السنة الأخيرة للعهد، ما لم يعطه إياه في السنة الأولى وما بعدها. فبري الذي يزداد تشبثاً في موقعه، لم ينظر يوماً إلى العهد إلا أنه أتى من دون التوافق معه، وخارج السلّة التي كان متمسكاً بها. فكيف الحال وهو يتطلع إلى السنة الأخيرة منه، فيما التيار يتعرض لحملات متتالية من حلفاء وخصوم، ولا يجد من يقف إلى جانبه سوى حزب الله. والأخير على تقاطع حساس داخلياً، بعدما تعرض بدوره لخضّات متتالية من خلدة إلى شويا فالطيونة.من اللافت حجم ما يتعرض له التيار الوطني الحر منذ أسابيع. ما حصل في المجلس النيابي، يضاف إلى سلسلة الضربات التي يتلقاها، خصوصاً بعد حادثة الطيونة. فللتيار وجهة نظره المحقّة في كثير من البنود التي طالب بها في معركته في قانون الانتخاب، وفي تفسير النصاب القانوني في جلسة أمس. لكنه، في المقابل، يبدو في الآونة الأخيرة أكثر توتراً من كل الأشهر الماضية. وهو في سعيه إلى مضاعفة النقاط الرابحة في معركة الانتخابات النيابية، ومن ثم الرئاسية، يفقد تباعاً أرصدته، بعدما أظهر نفسه غير متمكّن في رسم استراتيجية واضحة لإدارة معركته السياسية. واتهام رئيسه النائب جبران باسيل بأنه يلعب منفرداً، في التيار وفي التكتل وفي القصر، تظهر نتائجه السلبية. إذ إن من الصعب الإمساك بيد واحدة بكل الملفات القانونية والدستورية والثغرات و«الألاعيب» و«الاجتهادات» التي يبرع بها بري وفريق من النواب القانونيين حوله، وفي الوقت نفسه بملفات الكهرباء والمياه والمنتشرين وقانون الانتخاب وحساباته التفصيلية، وبالتعيينات الأمنية والإدارية والديبلوماسية. وهو مسار كان من الطبيعي أن يوصل إلى ما وصل إليه في مجلس النواب.
بري حاسم في عدم تدوير الزوايا، والذهاب بعيداً في «المشكل» مع التيار


اعتقد باسيل منذ أشهر أنه ربح في بداية الأمر بمجرد إبعاد الرئيس سعد الحريري والإتيان بالرئيس نجيب ميقاتي الذي ينتمي إلى الخط السياسي نفسه. لكن لميقاتي حسابات إقليمية ومحلية مختلفة عن حسابات التيار ورئيس الجمهورية. حتى بدت حكومته أخيراً وكأنها حكومة النأي بالنفس عن الأوضاع الأمنية والداخلية الحساسة. وبين معركتي باسيل مع القوات ومع تيار المردة في الشارع المسيحي، لم يعتقد أن معركته مع بري ستكون عنوان المرحلة اللاحقة بعد تشكيل الحكومة. وقد جاء تدرّج خلافه مع بري متشعّباً وحاداً في كل الملفات. إذ إن رئيس المجلس كان حاسماً في عدم تدويره الزوايا، وذهابه بعيداً في «المشكل» مع التيار من دون أي تردد. وهذا يعيد اللعبة إلى أصولها السياسية. فالزمن ليس زمن تسويات داخلية وطاولات حوار، ما دام القرار في شأن مستقبل النظام اللبناني لا يزال غير متخذ. من هنا، يحاول بري قطع الطريق أمام محاولة فرض أمر واقع في الحكومة، أولاً من خلال التعيينات وملفات الكهرباء والنفط والترسيم البحري، ومن ثم فرض أمر واقع في التحالفات في الانتخابات النيابية، خصوصاً في ظل الكلام الذي يصل إليه من التيار ودوره كرئيس للمجلس. وهذا يوصل حكماً إلى عدم القبول مسبقاً بكل ما ينسج مبكراً حول الانتخابات الرئاسية، لأنه من المستحيل أن يستعيد بري ما حصل مع التسوية الرئاسية وما رافقها على الطريق من تفاهمات ثنائية في ملفات جانبية. وقد تكون هذه المعركة إيذاناً بمسار أكثر حدّة من الآن وصاعداً، سواء حصلت الانتخابات أم لم تحصل، لأن الهدف النهائي في مكان آخر واستحقاق آخر يتعلق بالتركيبة اللبنانية ككل. وفي مواقفه منذ حادثة الطيونة وتحقيقات المرفأ، يتصرف بري بإصرار على أنه صاحب القرار في إيجاد مخارج وطرح تسويات ووضع فيتوات، وأنه لن يتنازل عن هذا الحق مهما كان شكل الضغوط، ومهما كانت تأثيرات الملفين على حلفائه. وهو في توجيهه رسائل إلى حليفه حزب الله، لن يكون متفرجاً على أداء التيار كما لم يفعل سابقاً، إلا أنه سيستمر في مواجهته له في صورة أكثر وضوحاً إلى ما بعد الانتخابات النيابية والرئاسية. وقد يكون بري واثقاً من أخطاء خصمه بعدما ثبت لديه أن المسار الذي رسمه التيار لن يحيد عنه، على رغم كل المطبّات التي وقع فيها. وهذا ما يريحه ويريح خصوم التيار معاً.