تنطلق اليوم اللقاءات بين ممثلي صندوق النقد الدولي، وبين اللجنة الوزارية المُكلّفة وضع خطّة «الإصلاح والتعافي المالي والاقتصادي» برئاسة نائب رئيس الوزراء، سعادة الشامي. بحسب المطلعين، ستكون هذه الاجتماعات تحضيرية ولن تُعرض فيها أي مقاربة فعلية للخطة التي لم ينجز منها شيء بعد. فالخطّة التي اتفق على عرضها هي الخطّة التي أنجزتها حكومة الرئيس حسان دياب بعد إجراء تحديثات عليها غير محدّدة، إلا أن أبرزها تحديث المعطيات الرقمية التي تغيّرت كثيراً منذ نيسان الماضي لغاية اليوم. لهذه الغاية، كان يُفترض أن تُباشر اللجنة الوزارية المكلّفة عقد اجتماعات لإجراء التحديثات ومناقشتها. لكن المفاجئ، أن هذه اللجنة عقدت اجتماعين من دون دعوة الخبيرين اللذين اتفق على مشاركتهما، أي مستشار رئيس الجمهورية شربل قرداحي، والمسؤول المالي في التيار الوطني الحرّ رفيق حداد، وهما يمثّلان رئيس الجمهورية ميشال عون. وقد عقد الاجتماعان عبر الفضاء الافتراضي (زوم)؛ الأول عُقد يوم الاثنين الماضي، والثاني عقد مساء أمس. واقتصرت الدعوة في الاجتماعين على الشامي ووزيري المال يوسف خليل والاقتصاد أمين سلام، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.تحديث خطة التعافي ومناقشتها في اللجنة يعدّ ضرورياً لتوحيد الرؤية قبل بدء المناقشات مع صندوق النقد الدولي. لكن المعلومات تشير إلى أنه منذ 30 أيلول، تاريخ صدور القرار الرسمي بتعيين اللجنة، لم تضع اللجنة مسودة للنقاش. حتى أنّ الأرقام التي طلبها المستشار المالي للدولة، شركة «لازار»، لتحديث الأرقام في خطة الحكومة السابقة، لم تسلّم له بعد، إذ تتذرّع وزارة المال بالنقص في أعداد الموظفين المولجين استخراج الداتا وإعدادها لتسليمها لشركة «لازار». باختصار، إن وزير المال يوسف الخليل يلقي اللوم على الموظفين بينما هو عضو في لجنة تعتقد أن لديها ترف الوقت في بلد يغرق أكثر كل يوم.
ميقاتي أبلغ جمعية المصارف أن الكل سيتحمّل مسؤوليته من الخسارة


لم تحصل «لازار» على الأرقام من وزارة المال أو من مصرف لبنان بعد، لكنّها تسلّمت تقديرات «غير رسمية» من خبراء ماليين واقتصاديين بأنّ الخسائر أصبحت بحدود الـ60 مليار دولار على رغم كلّ الإجراءات التي اتّخذها سلامة والمصارف لإطفاء خسائر المصارف وتنظيف ميزانياتها. لكن الأمر قد لا يكون متصلاً بتحديث الأرقام فقط، فالرئيس نجيب ميقاتي يهمس سرّاً غير ما يقوله علناً. في العلن يشير إلى «تحديث أرقام الخطة السابقة». أما في اللقاءات المُغلقة، فهو يُعبّر عن توجّه لوضع خطّة جديدة تتضمن أرقاماً جديدة ومعالجة مجدّدة لتوزيع الخسائر. فهو طلب من «لازار» خلال الاجتماع الذي عُقد بينهما في نهاية أيلول، تقديم رؤية «واقعية وقابلة للتطبيق»، بحسب المعطيات المتداولة بين المعنيين. إلا أنّ مصادر ميقاتي تنفي ذلك، مُعتبرةً أنّ كلّ التعديلات مرتبطة بتغيّر الأرقام والوقائع بعد سنتين، «وما شدّد عليه مع «لازار» أنّها كانت تُحمّل المودع الجزء الأكبر من الخسارة، وهذا يجب أن يُعدّل». وتُضيف المصادر أنّ رئيس الوفد سعادة الشامي ينتظر الأرقام من وزارة المال «ويحظى بكامل دعم ميقاتي، ليضع خطّة لا تستثني معالجة وضع القطاع المصرفي، إنما بدقّة وحذر». مع الإشارة إلى أنّه وعلى العكس من التضليل الممارس عن الخطة السابقة (على رغم تضمنها عللاً رئيسية، وأبرزها إنشاء الصندوق السيادي وطرح التفاوض مع صندوق النقد كخيار حتمي ووحيد)، فإن النسبة الأكبر من الخسائر فُرضت على أصحاب المصارف وكبار المساهمين والودائع التي يفوق حجمها الـ500 ألف دولار، وليس على «عامة المودعين» الذين احتُجزت أموالهم وأُفقدت قيمتها مع الانهيار النقدي، ثمّ في تعاميم مصرف لبنان، وتلكؤ مجلس النواب عن إقرار قانون الكابيتال كونترول والتشريعات اللازمة.
بين تأخر وزارة المال عن تحديث الأرقام، وبين العرقلة التي تمارسها اللجنة في حجب خبيرين عن الاجتماعات، يبدو الهدف الظاهر تأخير التفاوض مع صندوق النقد وممارسة الضغوط التي لا تفيد إلا المصارف. فالبطء الذي تتعامل فيه اللجنة مع حالة الطوارئ المالية والاقتصادية والنقدية التي تؤثّر بشكل بالغ في المجتمع، لا يشي بإيجابية. الفاتورة التي يدفعها الناس تتعاظم... كل ذلك يصبّ في مصلحة المصارف التي التقت ميقاتي أمس وأصرّت أمامه على أنها «غير مسؤولة». ميقاتي أبلغها بأنها ستكون شريكاً في الخطّة وأن «الجميع سيتحمّل مسؤوليته من الخسارة».