بعد أكثر من عام على انفجار مرفأ بيروت، لا تزال الردميات في مكانها. السؤال عما حال طوال تلك فترة دون إزالة «ثروة» من الحديد يتنافس المقاولون عادة على شرائها، يقود إلى مسارين: الأول يتعلق بشركة «ريسي غروب» (recygroup) الفرنسية، والثاني تحكمه شركة التأمين المتعاقدة مع إدارة المرفأ.في الشقّ الأول، فرضت الشركة فرنسية نفسها بنفسها على إدارة المرفأ، من باب الرغبة في «المساعدة» على درس حجم الردميات وطبيعتها وطريقة فرزها والتخلص منها. وأبلغت المعنيين أنها ستُعدّ تقريراً دفعت الدولة الفرنسية تكاليفه سلفاً، وستُسلّمه منتصف تموز الماضي. تأخر صدور التقرير إلى أن تسلمته إدارة المرفأ ووزير الأشغال العامة والنقل علي حمية قبل ثلاثة أيام، وجاء في خلاصته أن الشركة مستعدة لمعالجة الردميات ونقلها بكلفة تراوح بين 3 ملايين يورو و6 ملايين، مع منحها حق الاستفادة من «الخردة» وبيعها وقبض ثمنها. بشكل أوضح، تريد «ريسي غروب» بيع هياكل أكثر من 500 آلية وسيارة متضررة وأطناناً من الحديد والنحاس قدّر خبراء استعان بهم المرفأ قيمتها بنحو ستة ملايين دولار، وأن تعالج الردميات أو ترحّلها مقابل 6 ملايين يورو... وأن تقدّم ذلك بوصفه «مساعدة»، في ما لا يمكن إدراجه إلا ضمن عملية الاحتيال الجاري فرضها على المرفأ بحجة أن الشركات الأجنبية «أكثر شفافية ومهنية» من اللبنانية.
اشترطت الشركة الفرنسية لرفع الردميات إعطاءها حق الاستيلاء على ما قيمته ستة ملايين دولار!


حمية والمدير العام رئيس مجلس إدارة المرفأ عمر عيتاني أبلغا الشركة الفرنسية عدم موافقتهما على الدراسة. وأوضح حمية لـ«الأخبار» أنه طلب من الشركة «إعادة النظر في الدراسة لكي تؤمن إيرادات للمرفأ»، مؤكداً أنه «لا يحق لأي طرف تنفيذ أي مشروع من دون موافقة الوزارة». وأكد أن «ريسي غروب» أبدت إيجابية ووعدت بإرسال تقرير معدّل خلال أيام. إلا أن الشركة المدعومة من الدولة الفرنسية لم تنتظر طويلاً قبل أن تبلغ إدارة المرفأ رفضها طلب الوزير. فقد علمت «الأخبار» أن «ريسي غروب» أبلغت من يعنيهم الأمر بأن عرضها «سلة كاملة»: إما أن تتضمن الصفقة منحها حق بيع الأنقاض وتقاضي ثمنها أو تسحب العرض. علماً أن الشركة الفرنسية كانت قد أصدرت، سابقاً، تقريراً أولياً في الاتجاه نفسه رفضته إدارة المرفأ. يومها، استعانت بشركة «كومبي ليفت» (combi lift) الألمانية التي كلفت هي الأخرى نفسها بنفسها بنقل المستوعبات التي تحتوي على مواد خطرة من المرفأ وفرضت عقدها على الدولة، للتوسط لدى وزير الأشغال السابق ميشال نجار. وقد أكدّ الألمان لنجار استعدادهم لتأمين هبة لتسديد الـ 6 ملايين يورو التي يطلبها الفرنسيون، مقابل الموافقة على دراسة الفرنسيين وإعطائهم الإذن ببيع أنقاض المرفأ. ولا تفسير لهذه «اللهفة»، الفرنسية الألمانية، سوى أنها تأتي في إطار توزيع الحصص والسعي إلى فرض «حلول» تهدف إلى سرقة موارد المرفأ، تحت عنوان «المساعدة». والأهم من ذلك كله، إيجاد موطئ قدم في المرفأ لاستخدامه لاحقاً في توسيع المهام وصولاً إلى فرض مخطط توجيهي للاستحواذ على مرفأ بيروت.
وتواجه إدارة المرفأ معضلة أخرى تتعلق بشركة التأمين التي يتعاقد معها، والتي لا تزال تربط دفع التعويضات عن الأضرار بصدور التقرير القضائي النهائي حول ما إذا كان انفجار العنبر 12 ناتجاً من عمل إرهابي أم لا. أضف إلى ذلك، فإن إزالة الردميات مُعلّقة أيضاً بما تقرره شركة التأمين التي يفترض أن تتولى الاهتمام بـ«الخردة» مقابل دفع التعويضات. وقد حاولت إدارة المرفأ إيجاد حلول مؤقتة في انتظار صدور القرار القضائي، فاقترحت بيع الردم بالمزاد العلني بحضور مندوب من إدارة المرفأ وآخر من إدارة التأمين، على أن توضع الأموال المُحصلّة في خزينة المرفأ إلى حين إيجاد حلّ قضائي. إلا أن الشركة رفضت الاقتراح. علماً أن أي محاولة لبيع الأنقاض بحاجة إلى خبير استشاري لوضع تقرير حول «البضاعة». وبحسب المصادر، فإن 5 استشاريين كُلفوا تباعاً بإعداد تقرير، لكنهم جميعاً انسحبوا ورفضوا توقيع تقرير خطي حول الوضع في المرفأ خشية استدعائهم أمام القضاء!