عام 1985، اكتشف العلماء، فوق القارة القطبية الجنوبية، ثقباً هائلاً في طبقة الأوزون التي تشكّل طبقة واقية فوق الأرض، تعمل على امتصاص الأشعة فوق البنفسجية الخطرة والمضرّة بالإنسان وكثير من الكائنات الحية. يومها أصيب العالم بهلع، بعد تحذيرات خبراء الصحة من أن كثافة الأشعة فوق البنفسجية التي تخترق الغلاف الجوي قد تزيد إلى حدّ كبير من عدد الإصابات بسرطان الجلد وإتلاف عدسة العين، وتُلحق ضرراً كبيراً بالمحاصيل والسلسلة الغذائية البحرية. وانطلقت أممية دولية لإبرام اتفاقيات دولية للمعالجة، منها «اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون» و«بروتوكول مونتريال» حول المواد التي تستنفد طبقة الأوزون.وقّع لبنان الاتفاقية عام 1993. إلا أن وزارة البيئة لم تتبع تقليد إصدار بيانات سنوية تشرح الإجراءات التي اتخذتها وما تحقّق منها، والعقبات التي تحول دون الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي تفرض استبدال بعض المواد الكيميائية التي تساهم في تفاقم مشكلة ثقب الأوزون. علماً أن إدارة المشروع الذي يشرف عليه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الوزارة، تؤكد التزام لبنان بكثير من بنود «بروتوكول مونتريال»، بخفض استهلاك مواد الهيدروفلوروكربون المستنفدة للأوزون (تُستخدم في صناعة العوازل الحرارية والتكييف والتبريد) بنحو 500 طن سنوياً، وتحويل 86 مصنعاً تستخدم موادّ مستنفدة للأوزون في صناعات مختلفة إلى مصانع بمواصفات عالمية صديقة للبيئة ولطبقة الأوزون، وإنشاء ثلاثة مراكز للتدريب المهني في اختصاص التكييف والتبريد، وإطلاق الخطة الوطنية للتبريد للتخلص من مواد الهيدروفلوروكربون التزاماً ببنود وتعديلات كيغالي لـ«بروتوكول مونتريال»، والتي وقّعها لبنان عام 2019. كما جرى، بالتعاون مع وزارة التربية ومديرية التعليم المهني والتقني ومنظمة اليونيسف، إطلاق مشروع لتعديل مناهج التعليم في اختصاص التكييف والتبريد. وتوقّع مدير المشروع في وزارة البيئة مازن حسين، في تقرير سابق، التخلص من تلك المواد نهائياً بحلول سنة 2030.
التزام المعاهدات الدولية يجنّب وقوع مليونَي إصابة بسرطان الجلد سنوياً في العالم


أولى الخطوات، عالمياً، لحماية طبقة الأوزون كانت «خطة العمل العالمية بشأن طبقة الأوزون» التي اعتمدها برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 1977، لإجراء بحوث دولية مكثّفة ورصد طبقة الأوزون. وفي عام 1981، صيغت اتفاقية إطارية عالمية بشأن حماية طبقة الأوزون الستراتوسفيرية، أدّت عام 1985 إلى اعتماد اتفاقية فيينا التي ركّزت على البحث والتعاون والرصد أكثر من التركيز على استبدال المواد المسبّبة للمشكلة. لكنها نجحت في تثبيت منهجية عالمية فاعلة تؤكد العلاقة بين العلم والدبلوماسية والتعاون مع القطاع الخاص. وقد أظهرت الأدلة العلمية أن هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات، ويمكن إجراء تعديلات بشكل دائم، آخرها ما عُرف بـ«تعديلات كيغالي» على «بروتوكول مونتريال» (1987). يميّز البروتوكول بين الدول الصناعية المتقدّمة التي تمتلك القدرات المالية والتقنية لإحداث تغييرات في استهلاك وإنتاج المواد المستنفدة للأوزون، والبلدان النامية التي تحتاج إلى المساعدة للوفاء بالتزاماتها. وقد خرجت الأمم المتحدة بتسوية مشابهة لما اعتمدته في قضية تغيّر المناخ حول «المسؤوليات المشتركة، ولكن المتباينة» بين الدول. على هذا الأساس، أُنشئ صندوق للمساعدة في توفير الموارد المالية لإيجاد بدائل عن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون (استفاد منه لبنان)، لضمان قدرة كل البلدان على الوفاء بالتزاماتها.
الأهم أن اتفاقية فيينا وبروتوكول مونتريال التنفيذي ساهما في تجنّب وقوع مليونَي إصابة بسرطان الجلد سنوياً، أو 443 مليون إصابة بحلول عام 2100. كما أن لهاتين المعاهدتين الفضل في تجنّب 63 مليون حالة تلف في عدسة العين، وفي إنقاذ 6% من النباتات على المستوى العالمي مع كل خسارة بنسبة 10% في الأوزون.
ومن خلال التنفيذ الناجح نسبياً لـ«بروتوكول مونتريال»، اتّخذت بلدان كثيرة خطوات ملموسة لحماية الحياة على الأرض، وتمكّنت من «إعادة ضبط» طبقة الأوزون وإعادتها إلى مستويات ما قبل عام 1980. ووفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (2019) ، يجب أن «تتعافى» طبقة الأوزون تماماً فوق معظم نصف الكرة الشمالي وخطوط العرض الوسطى بحلول سنة 2030.



غاز الأوزون
الأوزون غاز يتكوّن من ثلاث ذرّات أوكسيجين (O3). «يقيم» نحو 90% من الأوزون الطبيعي في طبقة الستراتوسفير (جزء من الغلاف الجوي) على بعد عشرة إلى خمسين كيلومتراً فوق الأرض، ويُطلق عليه عادة طبقة الأوزون. يساعد الأوزون الستراتوسفيري في حماية الكوكب من الأشعة فوق البنفسجية، رغم أنه لا يشكّل أكثر من ثلاثة فقط من كل عشرة ملايين جُزيء في الغلاف الجوي.
وقد أثبت العالمان ماريو مولينا وإف شيروود رولاند (الحائزان على جائزة نوبل)، في ورقة بحثية نشراها عام 1974، أن الكلوروفلوروكربونات يتسبب باستنفاد الأوزون، وأن مركبات الكربون الكلوروفلورية تطلق ذرّات الكلور في طبقة الستراتوسفير التي تعمل كمحفّز في تدمير جزيئات الأوزون. ويمكن لجزيء الكلور الواحد أن يدمر أكثر من 100 ألف من جزيئات الأوزون قبل إزالته من الستراتوسفير (بحسب وكالة حماية البيئة الأميركية). كما أن مركبات الكربون الكلوروفلورية يمكن أن تعيش لعقود في الغلاف الجوي.


الموادّ المستنفدة للأوزون
صدّق 198 بلداً على اتفاقية فيينا وبروتوكول مونتريال. وقد حدّد البروتوكول المواد الكيميائية المضرّة بالأوزون وأين يتم استخدامها وعناصر التحكّم. وركّز على مركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs) الموجودة في أنظمة تبريد وتكييف الهواء وفي علب الرشّ وأجهزة الاستنشاق وفي المذيبات وأنظمة إطفاء الحريق، إضافة إلى رابع كلوريد الكربون الموجود في المذيبات التي يستخدمها عمال النظافة والتنظيف وفي طفّايات الحرائق والبرادات، ومادة بروميد الميثيل الموجودة في المبيدات.