قُضي الأمر ورفعت الحكومة الدعم نهائياً عن المازوت، من دون أن تتفق على سعرٍ للصفيحة بالليرة اللبنانية، ما ضاعف المشكلة مع «دولرة المازوت»، وتحميل الكلفة للناس. أما بالنسبة إلى البنزين، فاتُّفق على الدخول في «مرحلة نصف النهائي» من رفع الدعم، لتُباع الصفيحة بدءاً من اليوم وفق سعر 12 ألف ليرة للدولار. وحين تنتهي الكمية «المدعومة»، سيبيع مصرف لبنان الدولارات ــــ التي لا يملكها ــــ للشركات المستوردة وفق سعر منصة صيرفة. رسمياً، دخل السكان في لبنان أصعب جزء من الأزمة ولن يملكوا الأدوات اللازمة لمواجهة تبعات الانهيار، لأنّ السلطة السياسية قرّرت إعدامهم عبر رفع الدعم قبل تأمين البديل
منشآت النفط ــــ التابعة للدولة اللبنانية ــــ باعت أمس المازوت... بالدولار الأميركي النقدي. يُبرَّر الموضوع بأنّ المنشآت «لم تعرف» أيّ سعر صرف تعتمد لتسعير المازوت بالليرة. المسؤولون في الدولة لم يهتموا سوى للانتهاء من «هَمّ» دعم الاستيراد، سارعوا إلى الانتهاء منه كمن يستعدّ للإخلاء والهجرة، أما خلاف ذلك من «تفاصيل» فلم يتفقوا عليها. ويُمكن القول إنّ «الدولة» أمس خالفت قوانين «الدولة». فالمادة 192 من قانون النقد والتسليف تنصّ على أنّه «تُطبّق على من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية بالشروط المُحدّدة في المادتين 7 و8 العقوبات المنصوص عليها بالمادة 319 من قانون العقوبات»، وهي الحبس من ستّة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبالغرامة من 500 ألف ليرة إلى مليونَي ليرة. أما في ما خصّ التسعير، فتنصّ المادة الخامسة من قانون حماية المُستهلك على «إعلان الثمن بالليرة اللبنانية بشكلٍ ظاهرٍ بلصقه إمّا على السلعة أو على الرفّ المعروضة عليه». أما الأخطر من «دولرة بيع المازوت» وانعكاس ذلك على الفاتورة التي سيدفعها الناس، فهو مقاربة السلطة السياسية للمازوت بوصفه «مادة كمالية» يملك الناس ترف الاستغناء عنها أو استخدام خيارات بديلة! يُرفع الدعم عنها بشحطة قلم وقبل زيادة التغذية في كهرباء لبنان ــــ بطريقة مستدامة ــــ حتى يخفّ اعتماد الناس على المولدات الخاصة، ومن دون الأخذ بعين الاعتبار أنّ المادة هي عُنصر أساسي من حلقة الإنتاج المترابطة بطريقة تجعل التعامل مع مكوناتها بطريقة مستقلة وعشوائية ضرباً من ضروب القتل.
قرار إعدام الناس بات أمراً واقعاً أمس، بعد أشهر من ابتزازهم وممارسة أقصى الضغوط عليهم في ملفّ حيوي. تهديدات الأشهر الماضية التي أطلقها حاكم البنك المركزي رياض سلامة، وتجاهلتها السلطة السياسية مُقرّرةً عدم اتخاذ أي قرار لتخفيف حدّة الأزمة، نُفّذت مع ما يعنيه ذلك من انتقال إلى مستوى أكثر خطورة من الانهيار، سيتم رمي كلّ نتائجه على السكان. رفع الدعم عن المحروقات، من دون اقترانه بخطوات حمائية كتوزيع بطاقة للدعم المالي، وإيجاد مصادر للطاقة البديلة وإطلاق خطة للنقل العام وزيادة إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان، يعني ضرب ما تبقّى من قدرات معيشية لدى السكان، والقضاء على معظم القطاعات الاقتصادية.
دخول قافلة ثانية من صهاريج المازوت الإيراني في ظلّ طلب كثيف عليه


رفع الدعم نهائياً عن المازوت، قابله رفع «جزئي» عن استيراد البنزين، فتمّ اعتماد سعر 12 ألف ليرة للدولار عوض 8 آلاف ليرة. القرار الذي صدر أمس «حرّر» البنزين من عند شركات الاستيراد وبدأت توزيعه على المحطات، إلا أنّ ذلك لا يعني «حلحلةً». الطوابير الخانقة أمام محطات المحروقات عادت لأنّ أصل المشكلة لم يُحل، وهو الكميات التي تحتاج إليها السوق. فالبواخر السبع التي فتح مصرف لبنان لها اعتمادات بداية الأسبوع، يُتوقّع أن تكفي لعشرة أيام فقط بعدما كانت تكفي شهراً قبل الأزمة، والسبب هو تغيّر سلوك المُستهلكين وارتفاع طلبهم على البنزين نتيجة خوفهم الدائم من انقطاعه أو ارتفاع أسعاره. غياب الثقة لدى الناس، تُغذّيه قرارات السلطة السياسية من جهة، وسيطرة مصرف لبنان على الاعتمادات من جهة أخرى، الذي يُطبّق سياسة خنق الاقتصاد وخفض الاستهلاك إلى الحدود الدنيا. وطالما أنّ مصرف لبنان هو الذي يُقرّر ــــ باستنسابية ــــ الكميات الضرورية من المحروقات، وبغياب الحلول البديلة، ستستمر الأزمة وتتفاقم، وخاصة أنّه يُنقل عن مستوردي وموزعي المحروقات أنّ البنك المركزي، عند رفع الدعم نهائياً عن البنزين، سيستمر في توفير الدولارات لفتح الاعتمادات بحسب سعر منصّة صيرفة، حتى لا تلجأ الشركات إلى السوق الموازية بما يؤدي إلى المزيد من انهيار الليرة. لكن، سيّان ما بين تأمين الدولارات على سعر 3900 ليرة أو 8000 ليرة أو 16 ألف ليرة، ففي النتيجة يوجد عملة صعبة ستخرج من حسابات مصرف لبنان... «الفارغة». فمن أين سيأتي رياض سلامة بالدولارات؟ هل يعود هو إلى اللعب في السوق الموازية، ويشتري منها الدولارات؟
«زفّ» رفع الدعم تولّاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس خلال مقابلته مع قناة «سي ان ان» الأميركية، فقال إنّه «لم يعد لدينا أموال لاستكمال الدعم، وهو يجب أن يتوقّف لأنّ 26% من أموال الدعم العام الفائت وصلت إلى اللبنانيين، والباقي ذهب إلى جيوب التجّار والمحتكرين والمهربين. سنكتفي في الفترة المقبلة بدعم الأدوية، وخصوصاً أدوية الأمراض المستعصية. من هنا نطالب المجتمع الدولي بالإسراع في مساعدتنا لوقف النزف قبل فوات الأوان». ميقاتي نفسه كان قد طلب أمس عدم فتح الاعتمادات للبنزين وفق سعر 8000 والانتقال إلى سعر 12 ألف ليرة لتمرير رفع الدعم تدريجياً. وأعلن ميقاتي خلال المقابلة أنّه في الأسبوع الماضي «تواصلنا مع صندوق النقد الدولي الذي أبدى استعداده لدعم لبنان، وعرضنا مشكلة الكهرباء واقتراحات الحلول المناسبة. واجتمعت مع رئيس منظمة الصحة العالمية الذي أبدى الاستعداد لدعم القطاع الصحي في لبنان، وحضّ الدول المانحة على تقديم المساعدات للبنان».
في السياق نفسه، بدأ تنفيذ اتفاقية الفيول بين لبنان والعراق، مع تفريغ أول شحنة مُحمّلة بـ 31 ألف طن، على أن تُفرغ 15 ألفاً من حمولتها في خزّانات معمل دير عمار، و16 ألفاً في معمل الزهراني، وستليها باخرة فيول أويل قبل آخر أيلول. وشكر ميقاتي «حكومة العراق على دعم لبنان بالمشتقات النفطية، كما أشكر أشقاءنا العرب على دعمهم الدائم للبنان، وأتعهد لهم بأنّ لبنان لم ولن يكون ساحة للإساءة إلى الدول العربية. من هنا، أُطالب جميع الأطياف اللبنانية باعتماد سياسة النأي بالنفس. لبنان لم يتخلّ عن أشقائه العرب وهو يدعوهم إلى عدم التخلي عنه». هذا الشكر لـ«الأشقاء»، وتحديداً للسعودية والإمارات العربية، غير المقرون بأفعالٍ إيجابية، حجبه ميقاتي عن الجمهورية الإسلامية في إيران في ما خصّ إرسال النفط إلى لبنان، فلم يجرؤ على شكرها أو توجيه تحية لها، بل قرّر من منبرٍ أميركي «بيع» موقفٍ لحلفائه الغربيين والعرب والتعبير عن أنّه «حزين على انتهاك سيادة لبنان، ولكن ليس لديّ خوف من عقوبات على لبنان، لأنّ العملية تمّت بمعزلٍ عن الحكومة اللبنانية». وقد توالت لليوم الثاني ردود الفعل «المُستنكرة» لدخول صهاريج المحروقات الإيرانية من سوريا إلى لبنان، من قبل القوى والأحزاب التي كانت تُشكّل فريق «14 آذار» والدائرة في فلك الولايات المتحدة الأميركية والإمارات والسعودية. فأعلنت القوات اللبنانية أنّ استيراد النفط الإيراني «لم يراع ليس فقط المعايير القانونية والتنظيمية المتعلقة باستيراد المحروقات والمشتقات النفطية باعتبار أن هذه المسألة تخضع في لبنان لنصوص قانونية وتنظيمية واضحة المعالم، وإنّما تجاوز كل ما يتصل بدور الدولة اللبنانية والبعد السيادي للبنان، كما أنّ هذه الخطوة هي استعراضية ولا تقدِّم حلاً لأزمة المحروقات، بل تزيد هذه المعضلة تعقيداً». بموازاة ذلك، وفي ظل إقبال كثيف على طلب شراء المازوت الإيراني، دخلت الليلة الماضية قافلة ثانية من الصهاريج المحمّلة بالمازوت الإيراني من سوريا إلى لبنان، ليتم نقلها إلى مختلف المناطق.
على صعيد آخر، دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى جلسة عامة لمناقشة البيان الوزاري للحكومة والتصويت على الثقة، يوم الاثنين المقبل في قصر الأونيسكو.