عندما أقرّ فتح اعتماد في احتياطي الموازنة لتغطية قيمة الفرق بين سعر الدولار على منصّة صيرفة وسعره في جدول تركيب أسعار المحروقات، والمحدد بـ 8000 ليرة، كان يفترض أن يستمر الدعم حتى نهاية أيلول أو إلى حين نفاد المبلغ الذي خصّص للدعم، أي 225 مليون دولار. وكان يفترض أيضاً أن تكون البطاقة التمويلية قد أطلقت، بما يسمح بتعويض بعض من الدعم الذي سيرفع.مر أسبوعان على قرار تخفيض الدعم، ومرّ أسبوع على الموعد الذي كان مقرراً لإطلاق المنصة الإلكترونية الخاصة بالبطاقة، من دون أيّ جديد. لا أُطلقت المنصّة، ولا يبدو أن الدعم سيستمر حتى نهاية أيلول. في الأساس، لم يساهم تخفيض الدعم في إنهاء أزمة الطوابير. بل على العكس، ما حصل أن الأزمة أصبحت أكثر مأسوية، والطوابير لم تعد تفرّق بين محطة مفتوحة وأخرى مغلقة. أضف إلى ذلك أن أحداً لا يمكنه التنبؤ بموعد بدء الاستفادة من البطاقة أو حتى الإعلان عن بدء التسجيل، في ظل خلافات لم تُحلّ تتعلق بالجهة التي تحتفظ بالبيانات والجهة التي تدير المنصة.
بحسب المعلومات، فإن نحو 160 مليون ليتر من المحروقات (مازوت وبنزين) لا تزال متوفرة في الأسواق، وهي تكفي لنحو عشرة أيام. ما يعني عملياً أن مرحلة الشح الشديد بدأت، فيما مصرف لبنان يمتنع عن فتح اعتمادات بواخر راسية حالياً أمام الشاطئ اللبناني. هل استُخدم كل المبلغ الذي أُقرّ؟ تشير مصادر معنية إلى أن نحو 125 مليون دولار استخدمت فعلاً، فيما تقرر أن يُخصص 25 مليون دولار لمصلحة حاجات كهرباء لبنان. أما الـ 75 مليون دولار، فثمّة قرار بإطالة أمد الاستفادة منها، بما يعني أن الدعم سيكون شكلياً، طالما أنه لا يكفي حاجة السوق.
مديرية النفط تطلب من مصرف لبنان الحصول على موافقتها قبل فتح أيّ اعتماد

وأكثر من ذلك، تردد أن المديرية العامة للنفط في وزارة الطاقة طلبت من المصرف عدم فتح الاعتمادات إلا بعد موافقتها، في سعي منها لتخفيف التخزين واستهلاك الكميات المتوفّرة. لكن ذلك سيقترن تلقائياً بالمزيد من خنق السوق مع المزيد من الارتفاع في سعر السوق السوداء.
وإذا كانت هذه السوق السوداء لا تزال نشطة بالنسبة إلى البنزين، فإن المازوت بدأ يتحرر تدريجياً من السعر الرسمي، إذ إن نسبة من الطلبات صارت تلبّى بالدولار النقدي. فبعدما بدأ اعتماد البيع بالدولار النقدي، منذ نحو عام، إلى قوات الأمم المتحدة وإلى السفن التي تحتاج إلى إعادة تموين، فقد بدأت أخيراً تنشط عملية استيراد المازوت الخاص بالصناعيين، بعدما سمح لها الاستيراد من دون إجازة مسبقة، علماً بأن الأسبوع الماضي شهد تفريغ شركة ميدكو باخرة مازوت دفع ثمنها بالدولار النقدي (من خارج آلية مصرف لبنان)، على سعر 540 دولاراً للطن (5 في المئة ربح المستورد)، على أن تباع للمنشآت الصناعية التي حجزت حصتها، ودفعت كلفتها عبر إحدى شركات تحويل الأموال. ومن المتوقع، أن تتوسع تجارة المازوت غير المدعوم مع الوقت، بما يؤدي إلى نهاية الدعم تلقائياً، وخاصة أن من لا يستطيع شراء المازوت المدعوم سيضطر إلى شرائه من السوق السوداء بما يزيد على 300 ألف ليرة للصفيحة، فيما سعر الصفيحة، في حال استيرادها من دون دعم، يُقارب 200 ألف ليرة. وتثبيتاً لشرعية الاستيراد من خارج آلية مصرف لبنان، تؤكد مصادر في القطاع أن وزارة الطاقة ستصدر تسعيرة رسمية للراغبين في شراء المازوت بالدولار النقدي.

سوريا تكفّلت بتأمين أسطول صهاريج لنقل المازوت الإيراني


إلى ذلك، لا تزال مسألة استيراد المازوت من إيران تتفاعل، وسط غموض يتعلق بتاريخ دخول الشحنة إلى لبنان. مع ذلك، فإن المعلومات تشير إلى أن الدفعة الأولى ستكون في السوق قريباً جداً. فالشحنة المقدّرة بـ 29 مليون ليتر من المازوت، ستُوزّع عن طريق شركة الأمانة، على مرحلتين. الأولى تشمل توزيع المازوت على المستشفيات والمستوصفات الخاصة والعامة وبعض المصانع التي تصنّع منتجات أساسية، والثانية تشمل البلديات والمولدات الخاصة.
وقد تقرر أن تباع الشحنة على السعر الرسمي، أي المدعوم على سعر 8000 ليرة للدولار، فيما جزء كبير منها سيُوزّع مجاناً على منشآت حيوية، علماً بأن خطة التوزيع تشمل تسليم كميات للقرى التي يزيد ارتفاعها على 800 متر، فيما يفترض أن تخصص شحنات لاحقة للبيع على محطات عمدت شركة الأمانة إلى استئجارها أو شرائها في المناطق.
وبحسب المعلومات، سينقل المازوت من سوريا عبر أسطول من الصهاريج قدمته القيادة السورية مجاناً، على أن يستعان بقدرات تخزينية متوفرة في أكثر من منطقة، تضاف إلى اعتماد الباخرة الإيرانية الراسية في بانياس كمخزن، بحيث لا تفرّغ حمولتها دفعة واحدة، بل خلال أيام.