أجرت الشرطة العسكرية في الجيش اللبناني تحقيقاً لتحديد المسؤول عن انفجار خزّان البنزين في بلدة التليل، الذي وقع في الخامس عشر من آب، موقعاً عشرات القتلى والجرحى، إلا أنّ شيئاً لم يرشح بعد عن التحقيق. لا أحد من المسؤولين الرسميين يسأل عن التحقيق، ولا أحد منهم يخبر اللبنانيين بحقيقة ما حصل في تلك الليلة المشؤومة. كما لم تُعلن هوية المُقصّر والمهمل الذي تسبّب بهذه الجريمة، مع الأخذ بالاعتبار جناية القصد الاحتمالي لجهة القبول بالمخاطرة بأرواح الناس. فقد تكتّمت قيادة الجيش على نتائج التحقيق في المجزرة، مكتفية بتوقيف الضابط المسؤول، إدارياً في منزله، على أن يُستكمل التحقيق السري في المحكمة العسكرية. ولم تفعل سوى أنها أحالت الموقوفين المدنيين ليُحاكموا أمام المحكمة العسكرية بإشراف القاضي فادي صوان، قاضي التحقيق المحسوب على قيادة الجيش الذي لم يقترب منها يومَ كان محققاً عدلياً في جريمة انفجار مرفأ بيروت قبل تنحيته. الغريب أنّ الجيش لم يُصدر بياناً حتى يتحمّل فيه مسؤولية ما حصل لناحية أنه كان الضابطة العدلية التي وضعت يدها على البنزين وصادرته. كما لم يُفسّر للبنانيين كيف اتخذ قرار توزيع البنزين على الناس كما أكد الشهود والجرحى، وبناءً على إشارة أيّ قاضٍ فعل ذلك، وأيّ قاضٍ أعطى الجيش إشارة المصادرة؟ كما لم توضح المؤسسة العسكرية اللّبس الذي ساد جراء انتشار شائعة أن ابن صاحب الأرض (التي وقع فيها الانفجار) جورج الرشيد إبراهيم أطلق النار لتشتعل النار في خزان البنزين ليتبيّن أن ذلك غير صحيح، مع أنّ أهالي التليل، وبسبب هذه الشائعة هاجموا منزل الرشيد وأحرقوه ليحتدم الخلاف مذهبياً مسلماً مسيحياً في المنطقة. كما لم يتوسع التحقيق ليُخبر الناس من ينشط على خطوط التهريب في تلك المنطقة وما علاقة نواب المنطقة الذائعي الصيت في عالم التهريب.أحد الشهود الذين كان موجودين في التليل وقت الانفجار، أكّد لـ«الأخبار» أنّ ضابط الجيش المسؤول عن عملية مصادرة البنزين تلقّى اتصالاً عمد بعده إلى الطلب من أحد العناصر فتح «سِكر» الخزّان، بعدما كان الجيش قد أفرغ حاجته في صهريج استُقدم لهذه الغاية. وبسبب الرغبة في الإفراغ السريع للصهريج، تم فتحه لينسكب البنزين على الأرض ويهجم الناس بعدها لملء «غالوناتهم» بالوقود، قبل أن يشتعل الحريق. أما بشأن المدّعى عليه بشبهة إشعال الحريق عبر ولّاعة، ج. ا، فهو لا يزال يتلقّى العلاج في المستشفى، نتيجة الحروق التي أصابته، فيما يؤكد احد الشهود أنّ ج. ا. مصابٌ بحروق في قدميه وظهره، «ولو أنه كان هو مُشعل النار، لكان احترق وجهه وصدره ويداه، وما كان لينجو من الانفجار». وذكر الشاهد المذكور أنّ أحد المصابين صرخ بأن أحد أبناء بلدة عمار البيكات هو من أشعل الحريق، مع توجيه أصابع الاتهام إلى خ. ع. من البلدة المذكورة الذي دهم منزله عدة مرات من دون العثور على أثر له.
بسبب رغبة الضابط في الإفراغ السريع للصهريج، تم فتحه لينسكب البنزين على الأرض ويهجم الناس قبل أن يشتعل الحريق


عُقدت أول جلسة تحقيق قضائي للمحكمة العسكرية في الثلاثين من آب، حيث استُمع إلى ثلاثة موقوفين. مكث التحقيق خمسة أيام في عهدة الشرطة العسكرية ليُحال الملف إلى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي الذي ادّعى على كل من: جورج رشيد إبراهيم (مالك الأرض التي وقع فيها الانفجار)، علي فرج (مالك الخزانات التي انفجرت) ج. ا. (مشتبه فيه بإشعال ولّاعة قرب خزان البنزين) وعنصرين جمركيين هما: أ. ع. ور. ش، وأحال الملف إلى قاضي التحقيق العسكري (صوان). الادّعاء على الرشيد وفرج شمل، إضافة إلى التدخل في ارتكاب الجريمة، مخالفة القوانين المالية والاحتكار، علماً بأنّ وكيل الرشيد ذكر أنّ مفوض الحكومة ادّعى بموجب مرسوم ملغى (المادة الرابعة من المرسوم 32/1967 في حين أُلغي هذا المرسوم بموجب المرسوم 156/1983).
تجدر الإشارة إلى أنّ وكيل الرشيد تقدّم بدفع شكلي ليطلب الردّ لعدم الاختصاص ولكون الفعل الملاحق به موكله غير معاقب عليه قانوناً.
وفي اتصال مع وكيل المدّعى عليه جورج رشيد، المحامي علي أشمر ، اعتبر أنّ «القاضي عقيقي بالغ في مواد الادعاء بحق موكله»، مشيراً إلى أنّ المواد المحال بها موكله تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، وهو ما يؤكد أن «التحقيقات موجّهة والهدف منها امتصاص النقمة الشعبية، وتجهيل الفاعل الرئيسي ونفي مسؤولية الجيش». واعتبر المحامي أشمر أن المواد القانونية الملاحق بها موكله تقتضي «تدخلاً مادياً ومباشراً ينمّ عن قصد ارتكاب الجريمة وهو أمر لم يتحقق على الإطلاق». ورأى أنّ أيّ تدخّل جرميّ لا يمكن في الحالة الحاضرة، على اعتبار أنّ البنزين كان في عهدة الجيش. واعتبر المحامي أنّه إذا كان ثمة ملاحقة بجرم ما، فهو المتحقق في المادة 770 من قانون العقوبات أي مخالفة الأنظمة الإدارية مع التسليم بعدم علم الموكل بوجود المادة الملتهبة. وأكد المحامي أنه سيبرز أمام القضاء ما يثبت كل ذلك.
تجدر الإشارة إلى أنه بخلاف ما أشيع عن أن كمية البنزين المضبوط في خزان التليل يوم الانفجار تتجاوز الستين ألف ليتر، أكّدت مصادر أمنية أنها لا تتجاوز الـ 13 ألف ليتر، سَحَب منها الجيش 8 آلاف ليتر. وأشارت المصادر إلى أنّ فرج اعترف بأنه اشترى الكمية منذ ستة أشهر، علماً بأنه موقوف منذ أربعة أشهر (أي قبل الانفجار).