لعلّ قضيّة الموقوف محمد المولى من القصص الأكثر غرابة في ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت. صحيح أن المولى هو «رئيس المرفأ» في وزارة الأشغال العامة والنّقل، إلا أن هذه الصفة «مبهبطة» وغير ذات فعالية عملية. فـ«رئيس المرفأ» هو شخص لا صلة له، لا من قريبٍ ولا من بعيد، بتشغيل المرفأ. ولا صلاحيّة له على المنشآت: لا علاقة له بشركة تشغيل الحاويات، ولا صلاحية لديه للتدخل في إدارة العنابر في الجزء الذي تعرّض للتدمير في انفجار 4 آب. على أرض المرفأ، هو أشبه بمطرانٍ على مكّة. في عام 2014، تقرّر تعيينه حارساً قضائياً على نيترات الأمونيوم بعد تخزينها في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، إثر قرارٍ لقاضي الأمور المستعجلة جاد معلوف الحجز على السفينة «روسوس» ثم إفراغ حمولتها البالغة نحو 2700 طن من نيترات الأمونيوم. لكن المولى رفض أن يكون حارساً قضائياً، لأن العنبر يتبع لإدارة الجمارك واللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار المرفأ اللتين تملكان منفردتين مفاتيح العنبر.بعد انفجار المرفأ، استُدعي المولى ثلاث مرات إلى التحقيق، من دون أن يتم توقيفه، إلى أن استدعاه المحقق العدلي السابق فادي صوان ليبادره بسؤال غريب: «إنت المولى تبع الحشيشة بالبقاع؟»، فأجابه المولى باستغرابٍ بأنه من جبيل وليس من البقاع، مُردفاً باستنكار بأنّ «أهل البقاع خير وبركة». سأله القاضي صوّان بغضب: «إنت تحفّظت على تعيينك حارساً قضائياً؟» أجابه: نعم تحفّظت»، فقال صوان بعصبية: «يحق للقاضي أن يعيّنك حارساً قضائياً في القصر الجمهوري». يردف المولى أنه أخبره بأنه أبلغ رئيسَه المدير العام للنقل، عبدالحفيظ القيسي، برفضه قبول تعيينه حارساً قضائياً. إثر ذلك، طلب صوان الاستماع إلى القيسي الذي أخبره أن ليس من صلاحية مديرية النقل الحراسة في المرفأ، فأصدر القاضي قراراً بتوقيف الاثنين.
المولى، الموقوف منذ 11 شهراً، لم يترك وسيلةً لإظهار براءته ومظلوميته إلا واستخدمها. لا يُشبه أي موقوفٍ آخر في هذا الملف، بحيث لا يُفوِّتُ صغيرة أو كبيرة إلا ويرفع صوته مطالباً بإنصافه. قبل أيام، اتصل من داخل مكان توقيفه، يُبدي استغرابه من استمرار المحقق العدلي طارق بيطار في توقيفه مع أنّه سبق أن وعده بإخلاء سبيله. يحفظ المولى ملفَه عن ظهر قلب ليُعيد سرد ما حصل للتأكيد على الظلم الواقع عليه. ينطلق من قرار قاضي الأمور المستعجلة الذي كلَف الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة الأشغال العامة والنقل تأمين البضاعة وحراستها. يستعيد المولى مضمون كتابٍ وجهه القيسي إلى رئيس اللجنة المؤقتة لإدارة المرفأ، حسن قريطم، لكونه صاحب الصلاحية، طلب فيه المساعدة بتنفيذ قرار قاضي العجلة بتخزين البضائع في مكان آمن. وأبلغه في متن كتابه أنها بضاعة خطرة، ليأتي جواب قريطم بأنه يُخصص جزءاً من العنبر رقم ١٢ المخصص للمواد الخطرة لتُفرّغ فيه النيترات. ويسرد المولى كيف جاء موظفو إدارة المرفأ وعناصر الجمارك لإفراغ حمولة الباخرة. ويُركز المولى على عبارة قريطم بأنه خصص جزءاً من العنبر لحمولة السفينة، ليقول بأنّ هناك مخزوناتٍ أخرى في العنبر، فكيف يُعقل أن يُعطينا المفاتيح؟
لم يقبل المولى أن يكون حارساً قضائياً لعدم صلاحيته. ورغم ذلك يحاسَب على جرمٍ لم يرتكبه


يُكمل المولى أنّه «بعد 15 يوماً تقريباً، جاء المساعِد القضائي (الكاتب) زياد شعبان، المكلّف من قاضي الأمور المستعجلة، ليُجري كشفاً على النيترات، واتصل بي طالباً مني ملاقاته عند باب العنبر». ويذكر أنه قدِم فعلاً حيث قام بعدّ أكياس النيترات التي تبين أنها ٢٧٧٥ كيساً وأخذ صوراً فوتوغرافية لها. وهنا يذكر المولى أن شعبان كتب على المحضر: «تم تعيين المولى حارساً قضائياً بعد إفهامه أن أيّ نقصٍ أو تلفٍ أو تعيّب يتحمّل مسؤوليته»، ليضيف المولى: «هنا تدخلت وقلت له... شو عم تكتب؟ هيدا العنبر تابع لإدارة المرفأ والجمرك وعليه حراسة قانونية بموجب القانون الصادر في ٣١ ايار ١٩٦٠ بأن إدارة المرفأ والجمارك مسؤولة عن العنبر. وبالتالي، فإن الحراسة القانونية تعلو على الحراسة القضائية، فكيف أكون حارساً على شيء لا أملك مفتاحه؟ فكتب فعلاً أن العنبر تابعٌ لإدارة المرفأ، وأنّني لا يمكنني ممارسة أعمال الرقابة. وقال لي وقّع بتحفُّظ. وهذا ما فعلته». ويُضيف: «أخذت المحضر ورحت عند مديري القيسي لأخبره بما حصل. فأجابني: نحن ما خصّنا بالحراسة. الحراسة والتخزين لإدارة المرفأ. انت ما خصّك». ويذكر المولى أن لديه رئيسين في وزارة الأشغال، رئيس دائرة ورئيس مصلحة، فكيف يُعقل أن يعينه الكاتب من دون الرجوع لإدارته؟
يُكمل المولى أنه بعد عشرين يوماً، دوّن القاضي جاد المعلوف في سجل القضية أنه اطلع على المحضر وطلب صرف ٥٠٠ ألف ليرة للكاتب كبدل مهمة انتقال إلى المرفأ.
يقول المولى رداً على سؤال عن صلاحياته: «أنا لا صلاحية لي سوى فاليه باركينغ للسفن. عند وصول الباخرة، تمرّ على اليونيفل وعلى غرفة العمليّات البحرية ثم تصل إلى الميناء حيث أعطيها موقفاً لتركن». ويضيف: «بالقانون ليس لي أي صلاحية. وإذا أردت الدخول إلى المرفأ، أحتاج ترخيصاً من جهاز الأمن». ويشير أن تقرير المديرية العامة لأمن الدولة الذي نُظّم من قبل الانفجار أورد في خلاصته أنه لوحظ إهمال واضح من إدارة واستثمار المرفأ في حراسة العنبر. وذكر أنّ أمن الدولة حقّق معه وخابر النيابة العامة التمييزية التي أجابت بتركه حراً وتعيين حارس للعنبر وأمين مستودع وصيانة الأبواب، مستدلاً بأنه لو كان حارساً قضائياً ما كان مدعي عام التمييز لِيعين حارساً آخر.
ويذكر المولى أنه بعد الانفجار، «استمع عناصر الشرطة العسكرية إلى إفادة كاتب محكمة العجلة، وسألوه إن كان هو من عينني أو القاضي، فأجاب بأنه هو. فقالوا له: أنت لا يحق لك تعيينه. والقاضي عيّن الدولة اللبنانية». وأضاف المولى أنه استعان باستشارة من رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق غالب غانم قال فيها: «الكاتب لا يحق له تعيين حارس قضائي». وورد في مضمون الاستشارة أنه حتى لو عيّنه القاضي وهو لا يملك الصلاحية، فإنّ بإمكانه أنه يرفض تعيينه حارساً قضائياً.
يعيد المولى سرد ما حصل معه أمام القاضي بيطار، فيقول: «قلتُ للقاضي أنني لم أستلم حتى مفتاح العنبر فكيف أكون حارساً عليه؟»، فأجابه البيطار: «أنا تأكدت أنك لم تستلم المفتاح». لكن المحقق العدلي «أشكَل» على مسألة أن الموقوف لم يذكّر مديره كل سنة بالبضاعة، فأجابه المولى: «ليست صلاحيتي. كيف أتدخل بشأن لا يعنيني؟»
وذكر أنه في أول استجواب مع القاضي بيطار سأله عن صلاحياته ثم توجه إليه بالقول: «حدا قلّك تابع؟ قلتلو لا ما حدا قلّي، لا مديري ولا الكاتب. قلّي ما عليك شي بس كان مفروض تتابع الاعتراض»، ليُعلق بالقول: «أنا قبطان بحري. أنا رئيس المينا. على الكاتب أن يُتابع».
أخلي سبيل حارس العنبر قبل أشهر. كما أُخلي سبيل عدد من الموقوفين وبينهم من أشرف على أعمال التلحيم في العنبر رقم ١٢. وتُرِك ضباط لم يقوموا بواجبهم كاملاً وبينهم من يعلم بخطورة النيترات ومع ذلك قَبِل بحصول أعمال التلحيم. فلماذا لا يزال «رئيس المينا» موقوفاً؟ على المحقق العدلي أن يُخبر الرأي العام بالجرم الذي ارتكبه، إنْ كان هناك ما يمكنه فعله، ضمن حدود صلاحياته، لتفادي الكارثة ولم يفعله. أو أن يُخلي سبيله.