تل أبيب أمام معضلة: هل تعترض مسار سفن الوقود الإيرانية، التي بدأت بالفعل إبحارها الى لبنان؛ أم تنكفئ من دون أيّ فعل عدائي؟ مصلحتها تدفعها لتسارع إلى اعتراض السفن كي تمنعها من إفساد الحصار الاقتصادي على لبنان الذي تعوّل عليه كثيراً؛ مقابل مصلحة موازية تدفعها إلى الانكفاء، خشية أن يتسبّب اعتراضها بردّ فعل من حزب الله، قد يؤدي الى تصعيد تسعى جاهدة للحؤول دونه.وإذا كان واحد من أهم الحلول الابتدائية لهذه المعضلة، هو «الاختباء خلف الإصبع» عبر الصمت الرسمي والامتناع عن إطلاق التهديدات، إلا أن الصمت لا يلغي المعضلة، ولا يلغي أن تل أبيب أمام اختبار صعب بين خيارين اثنين، كلامهما مشبع بالتهديدات: اعتراض السفينة، أو الانكفاء عنها.
إلا أن إسرائيل ليست وحدها في المحور المعادي للبنان، بل هي واحد من مركّباته، وهي كغيرها تقف خلف الولايات المتحدة التي قررت في هذه المرحلة أن تقود هي المواجهة ذات الطابع غير العسكري، بعدما اضطرت إسرائيل إلى الابتعاد القسري عن لبنان لأسباب ردعية. ما يعني أن على إسرائيل أن تنتظر ما تقرره الولايات المتحدة من ردود على خطوة السفن، رغم الإدراك المسبق أن قرارات واشنطن تتّخذ بالتشاور والتكامل والتكافل، بين الجانبين، في كل ما يتعلق بلبنان والساحة اللبنانية.
وإنْ كان صمت إسرائيل الرسمي بارزاً، إلا أن إعلامها تكفّل بتظهير موقفها وقلقها مع التحذير من التداعيات السلبية لإمكان أن تنجح خطوة حزب الله (وهي تأتي في إطار الرد على حصار لبنان)، ما يفقد إسرائيل والمصطفّين إلى جانبها الرهان على الأزمة الاقتصادية، وعلى مفاعيلها في تحقيق المصالح الإسرائيلية.
القدر المتيقن، سواء جاء قرار إسرائيل بالامتناع عن اعتراض السفينة (وهو المرجّح) أو اعتراضها (وهي فرضية لا يمكن استبعادها) أن تهديد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، وصل الى تل أبيب، بعدما حذّرها والأميركيين من اعتراض السفينة، الأمر الذي يعني توسيعاً للمعادلات الردعية التي تحكم أفعال إسرائيل في الساحة اللبنانية، لتتضمّن السفن الإيرانية، ما يحفظها ويمنع الاعتداء عليها، ويحفظ إمكانية تقليص وطأة الأزمة على اللبنانيين.
أهمية التهديد أن مفاعيله فورية، وتمنع إسرائيل من الوقوع في خطأ تقدير رد حزب الله، إنْ هي قررت الاعتداء. إذ إن البحث في تل أبيب لم يعد متعلقاً بأصل الرد، الذي بات يقينياً، بل في كيفيته ومستواه وإيذائه وإن كان يتسبب بالانزلاق إلى مواجهة بين الجانبين. وعلى هذه الخلفية، باتت إسرائيل أمام السؤال الذي تستصعب الإجابة عنه، تماماً كما ورد في تعليق الباحث في شؤون الأمن القومي في معهد أبا إيبان، داني سيترينويسز: «سيتعيّن على إسرائيل أن تقرر ما إذا كان اعتراض السفن يبرّر التصعيد المتوقع على الحدود الشمالية مع لبنان».
وكما يبدو من التعليقات الإسرائيلية، لا يتعلق رد فعل تل أبيب من مسألة الاعتراض حصراً بالثمن المباشر الذي ستتلقاه نتيجة رد حزب الله، على أهمية هذا الثمن وتأثيره في بلورة قرار الرد من عدمه، بل في أي اتجاه تتخذه ــــ اعتراض السفينة أو عدم اعتراضها ــــ على مجمل الاستراتيجية التي يعمل عليها الأميركيون في لبنان، والتي تهدف إلى إبعاد اللبنانيين عن حزب الله عبر تحميله هو، تحديداً، مسؤولية الأزمة الاقتصادية. وهي استراتيجية كانت إسرائيل، حتى الأمس القريب جداً، تراهن عليها إلى حد الإفراط.
ويبدو من التقديرات الأولية، أن للاعتراض مساوئ كبيرة جداً، توازي مساوئ الـ«لا-اعتراض»، وهنا المفارقة والتحدي أمام تل أبيب. يبرز في ذلك ما ورد في موقع إسرائيل ديفنس، للشؤون الأمنية والعسكرية، الذي كشف نيات إسرائيل ومخططاتها، في سياق عرضه للمعضلة:
«وضع نصر الله إسرائيل في مأزق. إذا اعترض الجيش الإسرائيلي الناقلات، فسيكون هو في نظر الجمهور اللبناني الجهة التي منعت إيجاد حل لأزمة الوقود في لبنان، عبر حزب الله. الأمر الذي يعني، استعادة حزب الله صورته ككيان يقاتل إسرائيل.
على هذه الخلفية، أيّ توقع سابق كان مدار رهان بأن تدقّ الأزمة الاقتصادية إسفيناً بين حزب الله والشعب اللبناني، سيذوب ويتلاشى من دون فاعلية. يعني ذلك أيضاً، أن المشاهد التي جرى تصويرها في حاصبيا بعد إطلاق الصواريخ على إسرائيل (اعتراض المقاومين)، ستكون مشاهد لمرة واحدة فقط. في المقابل، إن لم يعترض الجيش الإسرائيلي الناقلات ووصلت فعلاً إلى لبنان، فالخشية في إسرائيل أن تكسب إيران عبر حزب الله، شرعيةً سياسية أوسع في هذا البلد».