كلا اجتماعَي 2 آب و5 منه، بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، لم يُحرزا تقدّماً ذا مغزى، واستمرّ خلافهما حول الحقيبة المفتاح في المرحلة المقبلة، وهي حقيبة الداخلية. مبرّر هذا الخلاف طبيعي ومتوقّع: توقّف عون عند الشروط نفسها للتأليف التي اختلف عليها مع الرئيس سعد الحريري، وبإزاء الحقيبة نفسها، فيما يبدأ ميقاتي من حيث انتهى سلفه ومن الحقيبة تلك إياها. الى الآن يميل الرئيسان الى إظهار حوارهما على أنه غير وردي، لكنه ليس بالسوء الذي طبع المدّة الطويلة من تكليف الحريري بلا انقطاع، ولا يتّسم ــــ حتى اللحظة على الأقلّ ــــ بالمزاج الشخصي ونفور الطباع والعداء السياسي المستجد. مقدار ما يدافع رئيس الجمهورية عن الحصة المسيحية في الحكومة الجديدة ما دام حزبه، التيار الوطني الحرّ، لن يشارك فيها مباشرة أو على نحو غير مباشر ولن يمنح الحكومة الثقة، يدافع الرئيس المكلف عن أكثر من حصة: أولاها حصته هو كرئيس حكومة يملك صلاحية التأليف وله وزراؤه المعترف بهم في حصته شأن ما رافق حكومتيه عامَي 2005 و2011، وثانيتها حصة الحريري في حقيبة الداخلية للسنّة، وثالثتها حصة الثنائي الشيعي في حقيبة المالية، رغم أنه في حكومتَيه السابقتين لم يحلّ شيعي في وزارة المالية، ولم يكن ثمّة عرف بتكريسها للطائفة الشيعية: في حكومة 2005، كان وزير المالية مارونياً هو دميانوس قطار، وفي حكومة 2011 سنّياً هو محمد الصفدي. الآن يسلّم ميقاتي بالعُرف الطارئ.
قبل اجتماع الرئيسين في 2 آب، وبعد اجتماعهما في 5 آب، حصل تطوران أمنيان مهمّان، أحالا تفاوضهما غير ذي جدوى، كأنه خارج سياق ما يجري في الداخل: الأول في خلدة في الأول من آب بين عرب المنطقة وحزب الله اتخذ للتوّ بُعداً مذهبياً سنّياً ــــ شيعياً. تلاه بفاصل أيام قليلة في 6 آب، التطور الثاني في حاصبيا بين مجموعة من أبناء بلدة شويّا وحزب الله أيضاً اتخذ بدوره للفور بُعداً مذهبياً درزياً ــــ شيعياً.
لم يكن الحادثان هذان قليلَي الشأن، غير مفتوحين على مفاجآت غير متوقّعة، رغم استدراك ارتداداتهما المذهبية في أسرع وقت. مثلما سارع تيّار المستقبل الى التبرّؤ من مسؤوليته، كذلك فعل رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط بطلبه عدم الانقياد وراء ردود الفعل، هو الذي بان في الفترة الأخيرة أكثر الأفرقاء اللبنانيين ابتعاداً عن الاستفزاز والنزاعات، وأولهم زهداً في التوزير وتفادي التورّط في الخلافات أو الانحياز الى أي من المتناحرين، راغباً في صفر مشاكل مع الجميع حلفاء وخصوماً. مع ذلك، دُقَّ ناقوس خطر الاشتباك المذهبي المتنقل ما بين المناطق مصوَّباً على حزب الله.
حادثا خلدة وشويا دقّا ناقوس خطر الاستعار المذهبي


كَمَنَ مصدر الإقلاق الذي تسبّب فيهما حادثا خلدة وشويّا ــــ لكل منهما ظروف مختلفة لا تتقاطع ولا تتطابق ولا صلة مباشرة ما بينهما ــــ في أنهما ألقيا الضوء على مسألتَين متلازمتَين:
أولى، تبدو في الواقع متشابهة ما بين الحادثين، ارتبطت مباشرة بالطريق التي يسلكها حزب الله بصفته مقاومة، سواء ما بين بيروت (والمعني أساساً الضاحية الجنوبية) والجنوب، وما بين شويّا ومزارع شبعا المحتلة المطلّة عليها بما يتيح استهدافها عبرها. دلّ الحادثان ــــ وما رافقهما من قطع طرق ومصادرة آلية لمقاتلي الحزب في البلدة الدرزية ــــ على أن مرور المقاومة على هاتين الطريقين لم يعد حقّاً مطلقاً، إن لم يعنِ أن حقّ المرور لن يكون سهلاً في طريق الحزب الى مواجهة إسرائيل.
ليست المرّة الأولى التي تعترض حزب الله عقبة إقفال طريق الجنوب في وجهه، وقد خبر الأمر مراراً في ساحل الشوف وإقليم الخروب، كما في خلدة بالذات أكثر من مرّة، وإن في حادث عابر كالذي وقع أخيراً وأوقع قتلى يُخشى أن يكون مرشّحاً الى أن يتكرّر. بيد أنها المرّة الأولى التي يجبه فيها اعتراض طريقه الى الاشتباك مع إسرائيل في قلب الجنوب، وأن يُعلن له على الملأ أنه يعبر بلدة درزية، غير شيعية، لا يوافقه بعض أهلها على هذا السلوك، وفي وسعهم منعه في أحسن الأحوال بشهادة مصادرة الآلية حاملة منصة الصواريخ ومقاتليها، قبل أن يُفرج الجيش عنهم ويعيدهم الى الحزب.
ثانية، تساوي التأثير السياسي بالتأثير الجغرافي أهمية، عبر إظهار واقع وجود أزمة عميقة في علاقة حزب الله بكل من السنّة والدروز، لا تزال تحتفظ في ذاكرتها بالكثير ممّا وقع في 7 أيار 2008 في بيروت، ثم في 9 منه في الشويفات وعاليه والشوف، وترك ندوباً لا تزال ماثلة في قواعد هؤلاء واستنفارهم وتأليبهم المذهبي.
يفضّل البعض تمييز عرب خلدة ــــ وإن هم سنّة مجنّسون بغالبية كبيرة منذ عام 1994 بفضل الرئيس رفيق الحريري خزّاناً انتخابياً له ولخلفه من بعده لا يستهان به ــــ عن السنّة الذين اعتاد تيّار المستقبل تحريكهم ضد حزب الله في بيروت، كما على الطريق الساحلية ما بين بيروت والجنوب، كما خصوصاً في البقاع الأوسط، في مناطق التماس السنّي ــــ الشيعي.
يذهب هذا البعض في حسبانه الى الاعتقاد بسهولة التلاعب بعرب خلدة هؤلاء، واستنفارهم في نزاع سنّي ــــ شيعي، دونما قرار مباشر من تيّار المستقبل، أو بتواطؤه أحياناً. في نهاية المطاف، باتوا في صلب أزمة الثقة السنّية ــــ الشيعية والاستعار المذهبي المترتّب عليها، المُعبّر عنه بعنف في أوقات ضعف الحريري، وخصوصاً عند إخراجه من السلطة، وتحديداً أكثر عندما يتسبّب حزب الله في هذا الإضعاف، أو في أحسن الأحوال تخلّيه عنه كما حدث أخيراً باعتذاره عن عدم تأليف الحكومة.
من غير اتّسامه بحدّة علنية مماثلة، وتفادي تطوره على نحو مباشر كما في خلدة، لحادث شويّا أبعاد ليست أقلّ خطورة، وإنذار مقلق. للفور انتقلت تداعيات ما حدث في حاصبيا وردود الفعل المتبادلة، على نحو غير متوقع ومحسوب، الى مناطق بعيدة منها كصيدا (بالتعرّض لباعة دروز) أو على طريق بيروت ــــ دمشق (بالتعرّض لفانات تقلّ مواطنين شيعة). عكس بدوره احتقاناً مشابهاً لحالات الغضب السنّية التي اعتادت نقل الاشتباك المذهبي من منطقة الى أخرى.
إذا صحّ أن الدروس المستقاة من تجربة 7 أيار، وتفسير حزب الله لها، وتالياً تبرير دخول بيروت بالسلاح والوصول الى القنطاري وقريطم، ودقّ أبواب عاليه والشوف، وصولاً الى المختارة، على أنه ردّ فعل على استهداف أمنه المباشر، حُمّلت حينذاك حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ووزراء جنبلاط الثلاثة المسؤولية، فإنّ ما حدث في خلدة وشويّا يأتى في معزل عن أولئك، لكنه حتماً بفضلهم.