20 موقوفاً جلسوا داخل قاعة محكمة سجن رومية، متباعدين أحدهم عن الآخر، بانتظار «الفرج». اليدان مقيّدتان «بالكلبشة» والفم مغطى بالكمامة الطبيّة. سمع هؤلاء أصوات السيارات التي تركن في الباحة وخرج آمر سرية السجون العميد ماجد الأيوبي لاستقبال «الضيوف». هي المرّة الأولى التي تطأ فيها قدما رئيس محكمة عسكريّة أرضَ محكمة رومية. ولذلك، كانت «السعادة» بادية على وجوه «أصحاب الأرض».سريعاً، جلس العميد منير شحادة ومعه 3 ضباط من هيئة «العسكرية» على قوس المحكمة للاستماع إلى معاناة الموقوفين وأسباب امتناع بعضهم عن حضور جلساتهم. أعادها شحادة أكثر من مرة: «ستنالون الشفقة والرحمة لأننا نؤمن بأن البعض قد غُرر به، وليس كلّ من يُخطئ يجب أن تُنهى حياته. ولكن ساعدونا على انعقاد الجلسات لتسريع المحاكمات بغية تخفيف الاكتظاظ من السجون». وبطريقة حازمة قالها رئيس المحكمة: «لا تمنّوا أنفسكم بالعفو العام».
أنهى شحادة حديثه ليأتي دور الموقوفين. كلّ واحد منهم كان لديه شكوى، منها ما يتعلّق بسير المحاكمات، ومنها بما لا يتعلّق بصلاحيات رئيس «العسكريّة». أبرز المتحدثين كانا خالد حبلص وعمر الأطرش. بعد أعوامٍ قضاها الرجلان داخل رومية، تغيّرت ملامحهما. عمر الذي كان شاباً فتياً صار اليوم أكبر. هو الذي حمل رسائل موقوفين آخرين وسلّمها إلى شحادة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى حبلص الذي بدت عليه ملامح التقدّم بالسن، وخصوصاً أنّه اكتسب وزناً بعد توقفه عن ممارسة الرياضة داخل زنزانته.
بدا حبلص موضوعياً. بالنسبة إليه، إن الرؤوس الكبيرة من السياسيين ورجال الدين الذين حرّضوا الشبّان ما زالوا في الخارج، مذكراً بما حصل في عكار حينما دعا البعض إلى خروج الجيش منها إثر مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد، متسائلاً: «أليس ذلك خطأ؟».
لم يذكر إمام مسجد بحنين سابقاً كلّ وقائع مسيرته التي انتهت بمعارك عسكريّة، تماماً كما لم يأتِ على ذكر فتح أبواب بلدته أمام «صديقه» أحمد الأسير، بل اكتفى الرجل بالمظلومية. بصوت مرتفع، قال إمام مسجد بحنين سابقاً: «نحن تحوّلنا إلى سلع داخل السجن الذي نحتاج فيه إلى الكثير. ولذلك سيخرج منه الكثيرون وهم يحقدون على الدولة بسبب الأحكام الجاهزة والظلم الناتج من الافتراءات في التحقيقات الأوليّة».
لم يكن حديث حبلص عن أمور تعنيه شخصياً، بل كان يتصرّف كـ«أمير» معني بشؤون رعيته ويستطيع التحدّث بلسانهم. وقال: «نحن لا نريد أن نعتدي على أحد، لكن لا نريد في الوقت عينه الاعتداء علينا». وأضاف: «يجب أن يكون العدل للجميع، أعطوا فرصة لبعض الذين أخطأوا. لا تظلمونا، ونحن لسنا ضد المؤسسة العسكرية»، مشيراً إلى وجود «استنسابية في الأحكام، إذ إن البعض يُحكم بالجرم نفسه بأحكام مختلفة، فيما عدد من المدّعى عليهم مثلاً يُحاكمون بالحكم نفسه لإطلاق رصاصة واحدة، فكيف يُمكن أن يُطلق 50 شخصاً رصاصة واحدة؟».
سكت شحادة قليلاً عندما انتهى حبلص من كلامه، قبل أن يقول له إن بعض حديثه «فيه منطق»، ولفت إلى أنّ المحكمة وضعت معايير محددة للأحكام ولطلبات إخلاء السبيل.