عام مرّ على تفجير المرفأ في الرابع من آب (أغسطس)، واللبنانيون وأهالي الضحايا لم يتعافوا بعد، من هذه «التروما» الجماعية التي حلّت على رؤوسهم في ذاك اليوم الأسود من تاريخ لبنان.

هؤلاء الذين لم يتخطوا بعد تلك الفاجعة وخسارتهم فلذات أكبادهم، ويستذكرون المأساة كأنها ماثلة أمامهم الآن، استثمرت القنوات التلفزيونية طويلاً في آلامهم، على مشارف ذكرى التفجير، وأفردت لهم تقارير تلفزيونية وبرمجة خاصة، أعادت نكأ الجراح، واستخدمت دموع ونحيب هؤلاء ضمن أجواء طغت عليها المؤثرات الصوتية والبصرية، كأننا أمام مادة درامية مصوّرة، يُراد لها فقط افتعال الإثارة التلفزيونية، وتسليع المأساة. قد يكون هذا الأمر «مشرعاً» في قواميس التلفزة اللبنانية، لتحقيق الرايتينغ، لكن، يبدو أن الأخيرة تخطّت، الحدّ المعقول، وراحت تُمعن أكثر في تهشيم حرمة الموت، والتقرير عن الشهداء ما كانوا سينطقون به، لو كانوا أحياء. في هذا الإطار، برز بقوة ما قامت به mtv، قبل أيام قليلة، من طرح لمادة مصوّرة تحت عنوان «رسالة إلى القضاء اللبناني»، عمدت فيها المحطة إلى استنطاق الشهيدين أمين الزاهد ورالف الملاحي، واللجوء إلى تقنية تركيب الوجوه على الأجسام، وتحريك الشفاه، وقرّرت عنهما ما كانا سيقولانه لو بقيا على قيد الحياة.
أطلّ جورج خبّاز على lbci ليتنبّأ بما كان هؤلاء الشهداء يحلمون

الكليب الذي أشارت فيه المحطة إلى أنه نُفّذ بموافقة عائلتَي الشهيدين، أراد التوجه إلى المحقّق العدلي طارق البيطار، ودعوته إلى استكمال ما بدأه من استدعاءات لشخصيات سياسية وأمنية على صلة بتفجير المرفأ، لكن قناة «المرّ» ضربت فيه بعرض الحائط كلّ المعايير الأخلاقية، ولم تُعِر اهتماماً لحرمة الموتى، وراحت تنقل على ألسنتهم بأن أرواحهم تتعذب جراء التلكؤ في ملف التحقيق! قناة «المرّ» التي بدأت هذه البدعة، وأثارت غضباً بالتالي في الشارع اللبناني، التحقت بها أخيراً lbci التي استعانت بالمسرحي جورج خباز في نشرة أخبارها. إذ كنّا أمام تقرير يعلّق عليه خباز صوتاً، ويستقرئ فيه ما كان يحلم به هؤلاء الضحايا. هكذا يستعرض التقرير المشغول كلاماً على طريقة السجع التي عُرف بها خباز، لمجموعة شهداء المرفأ، ويكرر عبارة «لو بعدك.. هون كنت..»، إلى جانب صور من جنازاتهم تُظهر نعوشهم، وأخرى تنقل صورهم الشخصية مع عائلاتهم، وفيديوات أرشيفية. وفي المرور على هذا التقرير، لا شكّ في أننا نشعر أمام تسطيح لهذه المأساة الإنسانية العارمة، والذهاب صوب أعمال لا ترقى بشهادتهم ولا حتى بعوائلهم التي ما زالت تتألم لرحيل أحبتها، فكيف إذا قام هؤلاء بمشاهدة هذا التقرير وغيره من المواد التلفزيونية التي تستخدم صور الضحايا وجوانب حياتهم الشخصية والخاصة، بل تقرر عنهم ما كانوا يحلمون به قبل شهادتهم! هكذا، تُظهر مرة جديدة القنوات اللبنانية فداحة في الوقوف على مأساة إنسانية كالتي حدثت في تفجير المرفأ قبل عام، وقصور حقيقي في مقاربة هذا الملف الحساس الذي لم تُطوَ أحزانه بعد، وينتظر العدالة لتبريد القلوب.