كما استحالت أرض مرفأ بيروت، غداة التفجير المهول الذي ضرب العاصمة اللبنانية قبل عام في التمام والكمال، مساحة داست عليها أقدام الأطقم الإعلامية، وحولتها إلى استديوات في الهواء الطلق الذي يطلّ على الفاجعة، كذلك وعلى أبواب الذكرى السنوية الأولى لتفجير المرفأ، استُبيحت مرة جديدة هذه الأرض التي حملت دماء عشرات اللبنانيين وأشلائهم، وطمست أحلامهم إلى غير رجعة.
من كليب «وطني اللي جايي» لمايا دياب

هكذا تحوّلت إهراءات القمح المهترئة التي صمدت أمام أطنان النيترات في ذاك اليوم إلى خلفية يستخدمها المغنّون وأصحاب الحفلات والإيفنتات لتصوير الكليبات، والتباكي على بيروت وضحاياها، في سياق أقلّ ما يقال عنه بأنه يستبيح حرمة الموت، وكل ما يتعلق بالتفجير، لصالح استثمار تجاري مبتذل. فقد شهدنا في الأيام الأخيرة موجة كليبات وطرح أغنيات تتحدث عن المرفأ وعن بيروت، وكذلك عن ضحايا 4 آب، وأبرزهم فوج الإطفاء الذي قدّم مجموعة شهداء جابهوا الموت وقتها وجهاً لوجه. هكذا خرج علينا أخيراً أمير يزبك في كليب غنائي ساذج، أراد من خلاله توجيه تحية إلى شهداء فوج الإطفاء، فظهر مع مجموعة ممثّلين يرتدون ثياباً بيضاء، انطلقوا من أرض المرفأ، وبدت الإهراءات واضحة خلفهم، وسبقهم طرح تيزر أغنية «لحظة مرفأ» (كلمات: ملحم رياشي-ألحان: جان ماري رياشي)، العمل المسرحي الغنائي الذي يتناول قضية تفجير المرفأ أيضاً.
موجة كليبات وطرح أغنيات مبتذلة وتجارية


وتبعتهم مايا دياب، بعرض لقطات من كليبها الجديد «وطني اللي جايي»، الذي يبدو أنها صورّته في أحد الأحياء المتضرّرة من التفجير، وبدت مرتدية وشاحاً على رأسها، وتحمل بيدها طفلاً رضيعاً. مشاهد تبعث على الاستفزاز بالجملة، تستغلّ هول الكارثة الإنسانية التي حلّت ببيروت وأهلها، لتخرج بأعمال تجارية رديئة، ليس آخرها، ما نشره فادي اندراوس من كليب غنائي أيضاً مع فرقته الموسيقية، على أنقاض مرفأ بيروت، ظهر فيه يغنّي لبيروت التي «لا تموت»، ويذكر فيها: «جرحي اللي صار أقوى من الانفجار»! كل هذه المشهديات التي أفرزتها ذكرى تفجير المرفأ، ولاقت تنديداً عالياً من قِبل اللبنانيين، تُعيد التأكيد مرة جديدة على الاستخفاف بهذه الذكرى، والاستماتة نحو شحذ الأضواء واستغلال أوجاع وآلام المفجوعين التي لم تطِب جراحهم إلى اليوم.