حتّى مساء الأمس، لم تكن المفاوضات بين تيار المستقبل من جهة، وحزب الله وحركة أمل من جهة ثانية، قد انتهت. ومع ذلك، لا يهضم الثنائي هذه المفاوضات. تخلّى «الحزب» و«الحركة» عن دعم مرشحين محسوبين عليهما إلى مركز النقيب، وأعلنوا استعدادهم لسحب مرشحيهم الثلاثة (إثنان محسوبان على حزب الله وواحد لحركة أمل)، لخشيتهم بأن يكون ثمن الإصرار على خوض الانتخابات في وجه «المستقبل» داخل نقابة المهندسين، حزازيّات طائفيّة قد يلجأ إليها مناصرو «المستقبل».في المحصلة، اتخذ الثنائي خياره بسحب مرشحيه، من دون الإعلان عن إمكانيّة دعم مرشح «المستقبل» من عدمه. البعض يشير إلى إمكانيّة الوصول إلى اتفاق بين الأحزاب الثلاثة هدفه دعم مرشح «التيّار الأزرق» إلى منصب نقيب المهندسين، أو على الأقل من يختاره «المستقبل». لكن يبدو أن «الحزب» غير موافق على هذه الصيغة. بالنسبة له، هي أشبه بإطلاق رصاصة الرحمة على فريقه. ويؤكد مسؤولو حزب الله بأنهم حسموا أمرهم بعدم تبني مرشّح «المستقبل»، مطالبين بدعم مرشح مستقل. ومن بين الطامحين إلى الفوز بمركز النقيب، يبدو أن الأوفر حظاً لنيل صفة «المستقل» هو عبدو سكريّة الذي حاول الحزب التقدمي الاشتراكي، عبثاً، إقناع «المستقبل» به.
تتناقض مواقف «الحزب» مع حليفه «أمل» الذي يظهر مرونة أكبر بالتعامل مع سعد الحريري. تشير المعطيات إلى أنّ هذه المرونة نابعة من قرار القيادة السياسيّة لـ«أمل» بأن «المصلحة الوطنية» تقتضي من مهندسي «أمل» بأن يكونوا إلى جانب تيار الحريري! ومع ذلك، فإنّ هؤلاء يعرفون صعوبة إقناع قواعدهم وحتى المهندسين الملتزمين حزبياً بهذا الاتفاق، معتبرين أن الوصول إلى اتفاق على مرشح مستقل هو الخيار الأفضل. ويلفت بعض المهندسين المحسوبين على «الحركة» إلى أنّ دعم مرشح «المستقبل» يجعل من المعركة يوم الأحد صعبة، بل مستحيلة، خصوصاً أنّ الحزب التقدمي الاشتراكي تخلّى عنهم وأعلن عدم المشاركة في الانتخابات الأحد. إذ أصدر بياناً انتقد فيه أحزاب السلطة وائتلاف «النقابة تنتفض» برفضه «إصرار البعض على الاستمرار في سياسة دفن الرأس في الرمال والمضي في ذهنية التعاطي التقليدي مع واقع جديد، وبفعل بيع الأوهام من قبل البعض الآخر الذي لم يترك إلا بصمة الفشل مهما كانت شعاراته شعبوية».
الكباش مستمر بين الحريري وبعض النقابيين المستقبليين


كما ينتظر المستقبل رداً من حزب القوات اللبنانيّة، الذي يبدو أنه يميل هو الآخر إلى مرشّح مستقل، خصوصاً أنّ القوات سبق لها وأن خاضت انتخابات المرحلة الأولى في النقابة في وجه الأحزاب فوق الطاولة، وأعطتهم من تحت الطاولة. بالتالي، لم يحسم حزب سمير جعجع خياره المُعلن، إلا أن البعض يُرجّح أن يكون المرشّح عبدو سكرية هو المُعلن، خصوصاً أن المهندسين الذين يدورون في فلك «القوات» فتحوا النار على مرشّح «النقابة تنتفض» عارف ياسين ويسوّقون أنّه «ينتمي إلى الحزب الشيوعي اللبناني الذي يحاول وضع يده على النقابة»، علماً بأن ياسين ليس عضواً في «الشيوعي».

من هو مرشّح المستقبل؟
كلّ هذه المعطيات تؤكد صعوبة موقف «المستقبل»، مع تأكيد جميع الأحزاب رغبتها في مرشح مستقل. في حين يبدو أن الحريري في مكانٍ آخر مع رفضه الكامل ترك مركز النقيب لغير تياره. ما يزيد الأمر صعوبة هو أنّ الخلافات الداخليّة داخل التيار الأزرق لم تنته أصلاً، وأفضت إلى ترشح 3 مهندسين لمركز النقيب: محمد سعيد فتحة، باسم العويني ومحمد ياسين. ويستمر الكباش منذ أسابيع بين المستقبليين المحسوبين مباشرةً على سعد الحريري والذين يدعمون العويني، وبين النقابيين والنقباء السابقين المستقبليين والذين يقفون خلف ترشيح فتحة.
إذاً، ليست الأحزاب وحدها من يحاول إقناع الحريري بضرورة العودة عن إصراره بترشيح العويني، بل إنّ بعض «المستقبليين» يحاولون ترجيح كفة فتحة باعتباره مستقلاً مقرباً منهم، ممّا يجعل المعركة أسهل. بالنسبة لهم، إن نتيجة ترشيح العويني ستكون خسارة مدويّة في ظل الشعبية التي تحظى بها «النقابة تنتفض» في أوساط المهندسين.

طرابلسي و«الشيوعي»
وإذا كانت «النقابة تنتفض» هي الأقوى بتأكيد الأحزاب التي يشير مسؤولوها إلى أنهم لن يتمكنوا من إحداث أي خرق يوم الأحد في حال لم يلتفوا حول مرشح مستقل، إلّا أن هؤلاء قرروا إطلاق الاتهامات بحق مرشحي «النقابة تنتفض» من خلال التسويق إنها «ليست مستقلّة بل هي مجموعة أحزاب لا تملك برنامجاً مهنياً حقيقياً، وإنما تخوض معركة نقابية بمشروعٍ سياسي عنوانه محاربة السلطة وأحزابها». ويلفتون إلى أنّ أداءهم لن يكون بعيداً من أداء النقيب الحالي جاد ثابت الذي انتُخب كنقيب مستقل من دون استطاعته تحقيق أي إنجاز.
يستند الحزبيون إلى موقف للمرشح سمير طرابلسي، الذي كان واحداً من المرشحين الثلاثة الذين شاركوا في مناظرة نظّمتها «النقابة تنتفض» وأفضت إلى اختيار عارف ياسين كمرشح لمركز النقيب بعد تصويت الحاضرين الـ173 لصالحه. يقول طرابلسي في مجالسه المغلقة أنه تعرّض لخديعة من قبل «النقابة تنتفض» على اعتبار أن 100 من أصل 173 الذين صوّتوا لياسين ينتمون لـ«الشيوعي»، متهماً الائتلاف بأنه لا يملك الاستقلالية السياسية وإنما هو ائتلاف لمجموعة من الأحزاب التي تعمل خلف الستار.

المرشّح الخاسر لـ«النقابة تنتفض»: تعرّضتُ لخديعة


أما «النقابة تنتفض» فتضع هذا الكلام في إطار الاتهامات المغرضة لتحطيم الائتلاف الذي يُزعج الأحزاب «مع العلم أننا نعمل كقلب واحد ملتزمين بمبادئنا». ويلفت مسؤولو الائتلاف إلى أن «طرابلسي لم يلتزم بالاتفاق المكتوب الذي وقّعه وينص على أن ينسحب في حال لم يحظَ بأصوات غالبيّة الحاضرين، وهو لا يريد احترام الديموقراطية التي أفضت إلى التصويت لصالح ياسين الذي يعمل على ترشّحه منذ أكثر من عامٍ ونصف العام، فيما كان طرابلسي غائباً خلال هذه الفترة».
ينفي هؤلاء بأن يكون غالبيّة المهندسين الذين حضروا المناظرة وصوّتوا لصالح ياسين هم من «الشيوعي»، وإلا كيف حظي طرابلسي بـ72.1 في المئة من الأصوات؟ مشيرين إلى أنّ الاتفاق كان بأن يحضر المناظرة 10 مهندسين عن كلّ مكوّن من المكوّنات الـ23 للائتلاف، ولكن ارتباطات بعض المهندسين أفضت إلى حضور 173 من أصل 230 مهندساً والذين صوّتوا بنسبة 89.51 في المئة لصالح ياسين. ويذكّر هؤلاء بأن طرابلسي كان مرشّح 20/20 الذي انسحب من الائتلاف قبل إعلان ترشيحه.
في المقابل، فإنّ «النقابة تنتفض» ستعلن اليوم لائحتها النهائية لخوض انتخابات الأحد والتي تضم 11 مرشحاً: النقيب، 3 مرشحين للهيئة العامة، 3 للفروع، 3 للجنة مراقبة الصنادوق التقاعدي و1 للجنة إدارة الصندوق التقاعدي. فيما لم يتوصل «المستقبل» وحزب الله وحركة أمل بعد على أسماء المرشحين، باستثناء «أمل» التي تصر على أن يكون المرشّح لرئاسة الفرع السادس من حصتها.