انطلقت المرحلة الثانية من انتخابات نقابة المهندسين في بيروت، بعدما أُقفل أمس باب الترشيح بترشّح 23 مهندساً ومهندسة لمركز النقيب و80 لملء 6 مقاعد في الهيئة العامة، أي 6 أعضاء في مجلس النقابة.وإذا كانت هذه الأرقام تعكس كثافة مرشحين تُسجّل للمرة الأولى في انتخابات النقابة، فإنّها تعبّر أيضاً عن غياب الرؤية الموحدة لخوض هذا الاستحقاق لدى مسؤولي أحزاب السلطة. إذ إنّ غالبيّة هذه الأحزاب رشّحت مهندساً أو أكثر لمقعد النقيب. والأبرز أنّ معظمهم من قياديي هذه الأحزاب داخل النقابة وتحديداً مسؤولي المهن الحرة، كمرشحي المستقبل وحزب الله وحركة أمل والجماعة الإسلامية...
وتشي الترشيحات بأنّ كلّ القوى تريد أن تحجز لنفسها مكاناً متقدّماً على طاولة المفاوضات. أوّلها تيار المستقبل الذي دعا رئيسه سعد الحريري المهندسين المحسوبين عليه إلى اجتماعٍ منذ أسابيع أعلن فيه أنّ مرشّح «المستقبل» الرسمي هو نائب النقيب الحالي باسم العويني. ولكن كانت المفاجأة بترشح المهندسَين محمد ياسين ومحمّد سعيد فتحة، المحسوبَين على «المستقبل»، للمنصب نفسه. وعليه يبدو منطقياً السؤال: هل ترشيح 3 مهندسين محسوبين على المستقبل ناتج من خلافات وسوء إدارة لملف النقابة أم عمليّة توزيع أدوار؟
يؤكّد متابعون أنّها سياسة تكتيكيّة يتبعها المستقبل في أكثر من استحقاق ليربح في أي سيناريو يتم اعتماده، لافتين إلى أنّ العويني رُشّح أساساً بهدف سحبه. ويقول «مستقبليون» متابعون لهذا الملف إنّ العويني «لا يملك مقومات شخصية النقيب، كما أن أداءه في مجلس النقابة الحالي لم يكن الأفضل إذ كان صدامياً مع أعضاء المجلس المحسوبين على الأحزاب الأخرى».
في المقابل، يشير مقربون من «المستقبل» إلى أن العويني هو الأقرب إلى الحريري الذي عاد وأوعز إلى المهندسين قبل يومين بأنّ العويني مرشّحه الأوحد، في حين أن هناك شد حبال بين الحريري والنقباء المستقبليين السابقين الذين يصرّون على ترشيح فتحة بسبب قربه منهم.
وما يعزّز إمكانية رضوخ الحريري لاستبعاد العويني هو أنّ الأخير لن يكون مقبولاً من حزب الله وحركة أمل، اللذين يملكان قوّة تجييرية وازنة في النقابة. ولأن «المستقبل» سيكون محكوماً بالاتفاق مع الثنائي ليكون النقيب من صلبه، سيكون الحريري مضطراً لسحب العويني من المعركة لصالح محمد فتحة الذي يُقدّم نفسه في الأوساط النقابية على أنّه مستقل مقرّب من «المستقبل»، إضافة إلى كونه من الشخصيات المتمرّسة في العمل النقابي بعد انتخابه في دوْرتين لعضويّة مجلس النقابة.

اتفاق بتردّدات سياسية
ويبدو هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً. إذ إنّ المستقبل سيصوّر للأحزاب الأخرى أنّ سحب منسّق عام المهن الحرة في التيار يعني تراجعه خطوة، مما يحفظ ماء وجه بقية الأحزاب التي ستعمد إلى سحب مرشحيها ودعم ترشيح فتحة شرط استرضائها في لوائح المرشحين إلى الهيئة العامة.
ويلفت متابعون لملف النقابة إلى أنّ الاتفاق بين الأحزاب على الحصص في اللائحة الموحدة للانتخابات ليس محصوراً بالنقابة، وإنّما هو اتفاق سياسي بامتياز تبدأ تداعياته في الملفات السياسية وصولاً إلى عقد تسويات في النقابات الأخرى. لذلك، يعتقد مهندسون محسوبون على حركة أمل أنّ سحب مرشحهم مصطفى فواز سيكون بإيحاء من الرئيس نبيه بري، بعد «بيعها» للحريري من حساب الحكومة. وهذا أيضاً سيكون موقف حزب الله بسحب مرشحَيه حسن حجازي وعدنان عليان. في حين أنّ التيار الوطني الحر «لن يكون محرجاً باعتبار أنّ معركة النقيب السني ليست معركته».
ترشيح 23 مهندساً لمركز النقيب و80 مرشحاً لملء 6 مقاعد في الهيئة العامة


وإذا كان فتحة هو المرشّح الأوفر حظاً لنيل دعم الأحزاب، فإنّ حزبيين «عقلانيين» يحاولون إقناع قياداتهم باتباع خطّة رابحة من خلال ترشيح أحد المستقلين إلى منصب النقيب على أن يرأس لائحة من مرشحين حزبيين إلى مجلس النقابة. وفي حال نجح هذا السيناريو فإنّ المعركة سترسو على عبدو سكرية باعتباره مستقلاً ومخضرماً لانتسابه إلى النقابة منذ أكثر من 35 عاماً. ويقول هؤلاء إنّ هذه الخطّة يمكن أن تستوعب الخسارة المدويّة للأحزاب في انتخابات هيئة المندوبين وممثلي الفروع. إذ أنّ الأحزاب التي تعمل على استنهاض قواعدها الشعبيّة والحزبيّة لعدم تكرار ما حصل في المرحلة الأولى قد لا تتمكّن من تغيير النتيجة مع استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً إذا ما تمّ السير بلائحة حزبية محض من دون الأخذ في الاعتبار أسباب التحوّل في المزاج الشعبي داخل النقابة.
مع ذلك، يعرف الحزبيون أنّ طرح اسم مرشح مستقل يلزمه كثير من التنازلات من الأحزاب. إذ إنّه ليس سهلاً على الحريري إظهار تيّاره وكأنّه خسر نفوذه داخل إحدى أكبر النقابات في لبنان في هذه المرحلة المفصليّة. لذلك، يستبعدون إمكانية قبوله بمرشّح مستقل.

مناظرة «النقابة تنتفض»
في المقابل، تبدو «النقابة تنتفض» أكثر ارتياحاً. إذ سبقت الجميع بإعلان أسماء مرشحيها لمنصب النقيب: عارف ياسين، هانية الزعتري وسمير طرابلسي، كما سبقتهم في اتباع الحل الديموقراطي من خلال مناظرة ستُقام غداً للمرشحين تبث على مواقع التواصل الاجتماعي بعد ساعةٍ ونصف ساعة من انتهائها، على أن يُعلن الخميس عن اسم المرشح النهائي، مع الاشارة إلى أن ياسين يبدو الأوفر حظاً بين الثلاثة.
وكان من المفترض أنّ تُقام المناظرة بين 5 مرشحين إلّا أنّ اثنيْن منهم انسحبا. أحدهما لأسبابٍ شخصيّة بعد حصوله على عرض عمل في الخارج، والثاني بعد ترشحه لرئاسة المركز السابع.
أمّا بالنسبة للمرشحين الى الهيئة العامة، فلم تحسم «النقابة تنتفض» أمرهم بعد، خصوصاً أن بعض المعنيين يلفتون إلى إمكانية توسيع الائتلاف بعقد تحالفات جديدة تزيد من فرصهم في الفوز.
يدرك مسؤولو ائتلاف المعارضة أنّ الأمر سيكون أصعب من المرحلة الأولى، إذ إنّ التحدي هو برفع نسبة المشاركة مع محاولة أحزاب السلطة استنهاض قواها، من أجل الحصول على 6 مقاعد، وإلّا لن تكون للفوز قيمة. وهم يعلمون أنّ الأحزاب في حال فازت بـ3 مقاعد من أصل 6 ستتمكّن من التحكّم بالنقابة بكاملها، على اعتبار أنّ لها 5 أعضاء داخل المجلس تنتهي ولاية بعضهم بعد عام، إضافة إلى عضو من الفرع السادس الذي فازت به الأحزاب في انتخابات المرحلة الأولى. بلغة الأرقام، فإنّ انتخاب 3 أعضاء من مرشحي الأحزاب يعني حصولهم على أكثريّة 9 أعضاء من أصل 16!



النقباء المسلمون... للسُنّة
منذ تأسيس نقابة المهندسين في عام 1951، والعرف المعمول به هو انتخاب نقيب مسلم يليه نقيب مسيحي، وهكذا دواليك. وكرّس هذا العرف النقيب بهاء الدين البساط الذي بقي نقيباً طوال فترة الحرب. في حين أنّ القاعدة غير المتُفق عليها هي أن يكون النقيب المسلم من الطائفة السنيّة فقط، إذ لم يسبق أن تم انتخاب شيعي لهذا المنصب. كما لم يترشّح من الطائفة الشيعيّة إلى منصب النقيب، خلال 31 عاماً إلّا اثنين: رياض كنج عام 1998، وتبعه بعد 10 سنوات مصطفى فواز (مسؤول المهن الحرة في حركة أمل والمرشح عنها في الانتخابات الحالية)، لكنّهما لم يفوزا.