الانهيارات الكبرى، كتلك التي يشهدها لبنان، تنتج في العادة فقراً وبطالة، وتنجم عنها تداعيات كارتفاع معدلات الجريمة والإخلال بالأمن، من مسؤولية الأجهزة الأمنية قمعها لحفظ أمن المواطنين. ولكي يتسنى لها ذلك، لا بد من مقومات ترتكز عليها كتعزيز المراكز الأمنية بالعناصر والآليات والتجهيزات اللوجستية. صحيح أن نقص العديد والآليات أزمة «مزمنة» في محافظة بعلبك - الهرمل، عن قصد أو من دونه، وأن هذه المنطقة لطالما تفتقد «تاريخياً» قيادة منطقة وبعض السرايا وعدد من الفصائل والمخافر. إلا أن ما يزيد الأمور سوءاً هو افتقار ما هو موجود من مراكز أمنية إلى ألفباء التجهيزات والمتطلبات الضرورية لتأدية واجباتها. فالمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي معنية برفد هذه المراكز «فصلياً» (كل ستة أشهر) بسائر المستلزمات من محابر وقرطاسية وورق للطباعة وفاكسات وهواتف وآلات طابعة وغيرها. إلا أنها، في ظل الأزمة المالية والاقتصادية، قلصت تقديماتها و«طنّشت» عن مراكزها وعناصرها و«هيبة رجل الأمن».
تشير المادة 179 من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي بوضوج إلى أن إدارة التجهيزات واللوازم تخضع لإدارة المدير العام لقوى الأمن الداخلي في كل ما يتعلق بالأعتدة واللوازم والأبنية العائدة لقوى الأمن الداخلي أو الموضوعة بتصرفها، وأنه ينبغي تقدير الحاجات من أي نوع كانت وعرضها على وزير الداخلية، لا سيما لدى إعداد مشروع الموازنة، إضافة إلى توزيع وصيانة وتنحية التجهيزات واللوازم العائدة لقوى الأمن الداخلي والتثبت من أن القطعات وعناصرها مجهزة بكل ما تحتاجه لتنفيذ المهام الموكولة إليها، وتأمين كميات احتياطية كافية من التجهيزات واللوازم والسهر على حفظها وصيانتها والتأكد من أنها جاهزة للاستعمال كلما دعت الحاجة لذلك.
آمرو المراكز «يدبّرون رؤوسهم» بالتفتيش عن مصادر بديلة كفتح صناديق تبرعات أو قبول تبرعات من «خيّرين»


إلا أن شيئاً من هذا كله «غير متوافر مع الأسف»، بحسب مسؤول أمني. إذ «لم يعد همّنا نقص العديد أو الآليات. اليوم تفتقر مراكزنا ومخافرنا حتى إلى القرطاسية وورق للطباعة والمحابر»، ما يدفع آمري هذه المراكز إلى «تدبير رؤسهم والتفتيش عن مصادر بديلة كفتح صناديق تبرعات في المراكز نفسها، أو قبول تبرعات من خيّرين».
ومعنى «خيّرين» مطّاطي جداً، إذ يضم «متمولين ونافذين يجري التواصل معهم لاستجداء بعض المستلزمات، أو شحادة ماعون ورق (500 ورقة) أو دزينة أقلام وأوراق نسخ (كزّ) أو محبرة طابعة من بلدية أو مستشفى أو جمعية في المنطقة»... وأخيراً الاعتماد على «صندوق تبرعات المركز»، كما يطلق عليه، وهو في الأصل قرار فرض على عناصر المراكز الأمنية أن يحضر كل منهم الغرض المطلوب من ورق أو ما شابه، أو بتنظيم حملة تبرعات بين عناصر المركز لجمع المبلغ المالي المطلوب لتأمين القرطاسية في وقت فقدت رواتب العسكر قيمتها الشرائية.
وزاد الأمور سوءاً أن التقديمات التي كانت تقدمها بعض البلديات للمراكز الواقعة في نطاقها تراجعت بشكل كبير، مع شح إيرادات البلديات وتراكم عجزها المالي.
مصادر أمنية أكدت لـ«الأخبار» أن بعض المراكز الأمنية، خصوصاً تلك التي تتطلب كميات كبيرة من الأوراق الخاصة بالفاكس أو البرقيات، باتت تعتمد الطباعة على خلفية البرقيات السابقة!