يُحاول ائتلاف «النقابة تنتفض» إظهار عناوين المعركة الحقيقيّة للصراع الدائر بين السلطة والمعارضة في انتخابات نقابة المهندسين. بالنسبة إليهم، تحاول السلطة منذ سنوات طويلة تغييب الدور الوطني للنقابة، كما لو أنّها واحدة من متفرّعات مؤسسات الدولة، على اعتبار أنّ تفعيل هذا الدور يؤثر على مصالح أحزاب السلطة.تملك المُعارضة مشروعاً متكاملاً لاسترجاع دور النقابة. وتشير إلى أنّ هذا الدور يعني المشاركة في بناء الدولة عبر إحياء القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة، وإنتاج الطاقة البديلة. يرى هؤلاء أنّ في استطاعة نقابة المهندسين أن يكون لها التأثير الأساسي على السياسات التوجيهيّة للدولة إذا ما سُمح لها بذلك، لكوْنها أكبر النقابات من حيث العدد والكتلة النقديّة التي تملكها، إضافة إلى تعدّد اختصاصات المنضوين فيها: زراعيون، مدنيّون، معماريون، متعهدون، متخصصون بالميكانيك، عاملون في القطاع العام، مهندسو كهرباء.
كلّ ذلك يؤكّد امتداد النقابة إلى كثير من القطاعات الحيويّة، ما يشير إلى قدرتها على رسم سياسات توجيهيّة لها أثر مباشر على حياة المواطنين والنشاط الاقتصادي.
يقول ممثل «النقابة تنتفض» في هيئة المندوبين في النقابة إبراهيم حجازي إنّ تأثير المهندسين يمكن أن يظهر في أكثر من مكان. إذ يُمكن للمهندسين إرشاد الدولة إلى مشروع تشجيع الناس على البقاء في القرى وتثبيت المزارعين في أراضيهم عبر استصلاح هذه الأراضي والاستفادة منها، وخلق استثمارات في القرى وتفعيل الصناعات، بالإضافة إلى إرشاد الصناعيين والزراعيين للاستفادة من توليد الطاقة البديلة. هذا المشروع، بالنسبة إليه، يعني حكماً زيادة النشاط الاقتصادي وزيادة فرص العمل، إضافة إلى إنماء القرى والتخفيف من ازدحام المدن والمحافظة على البيئة والتخفيف من الهدر الحاصل في الطاقة الكهربائيّة.
أما في التنظيم المدني، فيرى حجازي أنّ مشروع «النقابة تنتفض» هو الحل من خلال «إنشاء وزارة للتخطيط في المجال المدني والعمراني، وتطبيق الخطّة الشاملة لتنظيم الأراضي ورسم السياسات الإسكانيّة، وجعل نقابة المهندسين مرجعيّة مهنيّة هندسيّة وتوسيع دورها ليشمل مراقبة الدراسات والتنفيذ والتراخيص، ووضع تشريعات للمحافظة على التراث المبني والآثار والمواقع الطبيعيّة».
النقابة قادرة على وضع خطّة إنقاذ متكاملة في مواجهة خطّة السلطة لحماية مصالحها


ماذا عن الكهرباء والبيئة؟
هذا أيضاً ما يراه المرشّح لعضويّة مجلس النقابة نضال شرتوني. الدكتور الذي عمل على دراسات تختص بدور النقابة في المحافظة على البيئة وحلّ أزمة المياه والكهرباء، يشير إلى أنّ الجسم الهندسي قادر على المشاركة في بناء الدولة ووضع خطّة إنقاذ متكاملة بغية الخروج من الأزمات التي تعني حياة المواطنين اليوميّة.
يحمل شرتوني «الوريقات» التي صاغها المهندسون في مشروع «النقابة تنتفض»، ويقول إنّ «النفضة» في قطاع الكهرباء يمكن أن تحصل مثلاً عبر عدّة حلول، كتأمين الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء بهدف تخفيض كلفة الإنتاج نحو سبع مرات، معالجة هدر الطاقة الكهربائيّة الذي يصل إلى 52% من الطاقة المنتجة، استخدام الطاقة المتجدّدة وإعادة تأهيل شركة الكهرباء.
وإذا كانت الكهرباء قد حصلت على حصتها في هذا المشروع، فإنّ للبيئة أيضاً ملحقها. ويُفنّد المشروع كيفيّة الضغط لمنع المشاريع المضرّة بالبيئة والحد من السدود العشوائيّة، وإعادة النظر في رخص المقالع والكسارات، وإزالة التلوّث من الأنهار والمياه الجوفيّة والهواء والأراضي الزراعيّة، بالإضافة إلى التحفيز على الاستثمار في الطاقة المتجدّدة من حيث إدارة الموارد وتشجيع «الأبنية الخضراء».
أكثر من ذلك، يرى المرشح لعضوية مجلس النقابة في الفرع الثاني روي داغر أنّ النقابة يجب أن يكون لها رأي واضح في المشاريع الكبرى والبنى التحتيّة، مستذكراً أنّه لم يتم الأخذ برأيها في مشروع «EDEN BAY» وطمر النفايات في مطمر الكوستا برافا وإنشاء السدود وإنشاء أبراج فستضرب النسيج البيئي والهندسي للمحيط.

أسباب غياب دور النقابة
في المحصلة، فإنّ الدور الوطني لنقابة المهندسين غائب، لأسبابٍ مختلفة. يؤكّد عضو مجلس النقابة المنتهية ولايته وأمين السر السابق علي حنّاوي أن «لا حدود للدور الذي بإمكان النقابة أن تقوم به على المستوى الوطني». يربط الأمر بشخصية النقيب وقدراته العلمية والمهنية والتجارب القياديّة والنجاح على المستوى الشخصي. كلّ ذلك «ليتمكّن من المشاركة الفعالة في المنتديات وتحويل النقابة إلى خلية تعج بالندوات والمؤتمرات العلمية التي تعالج كل القضايا الإنمائيّة والخدماتيّة، وقدرته على متابعة التوصيات وفرضها كنقاط أساسيّة في القرارات الوزاريّة والنيابيّة، بالإضافة إلى قدرته على التأثير المجتمعيّ لخلق رأي عام يدعم هذه التوصيات».
يُعدّد حناوي الأدوار التي تقوم بها النقابة كونها شريكاً في كثير من اللجان، كضرورة موافقتها على إنشاء كليات للهندسة وعلى تعيين نائب رئيس المؤسسة اللبنانية للمواصفات، وكونها عضواً في لجنة إعطاء أذونات ممارسة المهنة والمجلس الأعلى للتنظيم المدني وإدارات أُخرى.
مع ذلك يرى أنّ المشكلة تكمن في بعض المواقع التي لم يلحظها قانون تنظيم مهنة الهندسة، إذ يُعدّ رأي النقابة استشارياً غير مُلزم في كثير من المشاريع كالمقالع والكسارات وتصريف الأراضي والبيئة المستدامة والتطوّر العمراني وقوانين البناء وتطبيق مرسوم السلامة العامّة... علماً بأنّ رأيها يجب أن يشكّل ضابط إيقاعٍ علمي ومهني.
من جهته، يشير نضال شرتوني إلى أنّ مجالس النقابة المتعاقية كانت جزءاً من الطبقة السياسيّة التي ترفض إعطاء الدور الفعلي لنقابة المهندسين لأن ذلك سيؤثّر على مصالحهم الشخصيّة، مشدداً على أنّ النقابة يُمكنها أن تضغط لتنفيذ المشاريع، إضافة إلى الضغط لتعديل كثير من القوانين لتكون مشاركة في صناعة القرار.
هذا أيضاً ما يؤكده روي داغر الذي يشير إلى أن النقابة تستطيع القيام بدورها وتوقيف مشاريع من خلال صلاحياتها وتكوين الرأي العام، إضافة إلى التوجّه نحو القضاء المختص.



من هم الفائزون في «النقابة تنتفض»؟
استطاع ائتلاف «النقابة تنتفض» الذي يضم 21 حزباً ومجموعة الفوز بـ221 مقعداً في هيئة المندوبين في نقابة المهندسين، و15 مقعداً في الفروع الثلاثة. فكيف توزّعت انتماءات الفائزين؟
نال الحزب الشيوعي اللبناني أعلى نسبة مقاعد بفوزه بـ48 مرشحاً، وحصل «مهنيات ومهنيون هندسة» على 39 مقعداً، فيما فاز «مهندسون من صيدا والجوار» بـ33 مقعداً، ومجموعة "IEA" (مهندسون ومعماريون مستقلون) بـ27 مقعداً.
كما نشرت "بيروت مدينتي" أسماء الفائزين الـ14 الذين ينتمون إليها، وهو عدد الفائزين نفسه الذين رشحتهم «مواطنون ومواطنات في دولة»، فيما أشار البعض إلى أن «جبهة المعارضة» التي تضم 9 مجموعات، من بينها حزب الكتائب، رشّحت أقل من هذا العدد وفازت بهم.
في المقابل، لم تنل المجموعات الأخرى أكثر من 10 مقاعد كـ«هوا تشرين» و«اللقاء المهني الهندسي» و«منتشرين» و«مدى» و«الكتلة الوطنية» و«لبنان عن جديد»...