جرّت أزمة المحروقات أزمة «السرفيسات» التي قلّ عددها في الشوارع، وصار من صمد من سائقيها ينتقي الركاب المتوجهين إلى أماكن قريبة فقط، ليحافظ على البنزين الذي «هلك» ليحصل عليه في طوابير «الذل» أمام محطات الوقود. المشكلة أكبر من وقوف الركاب طويلاً في انتظار سيارة أجرة تقلّهم، بل هي في فوضى التعرفة التي يحددها كل سائق عمومي، «على ذوقه»، وكما يراها مناسبة مع غلاء البنزين وقطع الغيار المسعّرة بالدولار. تعرفة «السرفيس» الرسمية 4000 ليرة، لكنها اليوم تصل الى 10.000 ليرة. «الرزق السايب يعلم الناس السرقة»، يختصر رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري في لبنان بسّام طليس، في حديثه مع «الأخبار»، واقع النقل البري في ظل «غياب تام للدولة». ويدعو السائقين «المحقّين في طلبهم رفع التعرفة» إلى الصبر حتى تستجيب «الدولة» لمطالبهم بدعم البنزين وتخصيص بدل صيانة و«عدم تحميل المواطن عبئاً لا يقوى على حمله حالياً». أما إذا تقاعست «الدولة» فـ«لاحقين نرفع التعرفة».«ضاعت الطاسة» في الجسم النقابي وتضاربت المواقف، إذ أعلن رئيس الاتحاد العام لنقابات السائقين العموميين مروان فياض، أمس، أنه «تم رفع تعرفة السرفيس داخل بيروت إلى 8.000 ليرة ولا عودة إلى تسعيرة الـ 5000 إلا إذا دعمتنا الدولة بـ 20 صفيحة بنزين وفق سعر 40.000 ليرة». فجاءه الرد من طليس الذي أكد أن «التعرفة تصدر عن وزارة الأشغال العامة والنقل بالتشاور مع النقابات المعنية»، مشدداً على أنه «لا يحقّ لأحد على الإطلاق أن يصدر تسعيرة من رأسه». وطلب من المواطنين أن يبلغوا عن أي سائق تاكسي يطلب أكثر من 4000 ليرة.
لماذا يصرّ طليس على عدم رفع التعرفة؟ يجيب: «لأن موضوع النقل البري متعلق بكرامة الناس، ويحتاج إلى معالجة هادئة تأخذ في الاعتبار وجع السائق والراكب معاً». ويرى أن «من السهل جداً رفع التعرفة»، لكن «هل سألتم أنفسكم: كيف سيسدد الموظف هذه الزيادة في ظل عدم الزيادة في الرواتب؟ هل المطلوب أن نذلّ المواطن الذي لا يملك سيارة خاصة؟».
لسائق الأجرة تبريراته لزيادة التعرفة، أهمها ارتفاع أسعار المحروقات. وبالتالي «نحتاج الى أن نعمل ست ساعات في ظل زحمة السير الخانقة في كل مكان لنحصل على ثمن البنزين الذي نصرفه، فكيف نعيش؟»، يسأل سائق الأجرة رامي عطوي (45 عاماً). وفي ظل الارتفاع المستمر والجنوني في سعر صرف الدولار مقابل الليرة، يعيش السائق هاجس أن تتعطّل سيارته لأن «أي زيارة إلى الميكانيسيان تكلّف قد بقرة جحا»، لذلك «لا بد من ادخار مبالغ بالدولار تحسباً لأيّ عطل».
برأي الركاب، يحق للسائق رفع التعرفة في حال زيادة رواتب الموظفين أو خصصت لهم زيادة في بدل النقل، أما دون ذلك، «فكيف يسددون الزيادة من جيوبهم؟»، تسأل نور قرياني (24 عاماً) التي تعمل براتب شهري لا يتجاوز 700 ألف ليرة، تنفق أكثر من نصفه في التنقل. تروي قرياني ما حدث معها منذ يومين «عندما ركبت سيارة أجرة من محلّة الرويس إلى الصفير في الضاحية الجنوبية. دفعت للسائق 10.000 ليرة بانتظار أن يردّ لي الباقي، فلم يردّ معلّلاً زيادة التعرفة بارتفاع سعر البنزين. صدقته لأنني سمعت عن غلاء البنزين، لكن في طريق العودة دفعت 5000»، تعلّمت بعدها أن تسأل السائق عن «تسعيرته الخاصة» قبل أن تستقل السيارة، حالها كحال ريان حيدر (30 عاماً) التي تسأل أصدقاءها على مواقع التواصل الاجتماعي قبل مغادرة منزلها: «أدّيه السرفيس اليوم؟»، لـ«حتى أعمل حسابي»، فلا تحصل على جواب واحد. تقف حيدر في محلّة سليم سلام وتنتظر ما يزيد على نصف ساعة يومياً سيارة أجرة تقلّها إلى مكان عملها قرب كنيسة مار مخايل. ومع أن المسافة ليست بعيدة، البعض يطلب بدل تاكسي 20 و30 ألفاً. كما تعيش دائماً «هاجس عدم كفاية المال الذي أحمله لدفع بدل تنقلاتي اليومية».


كارتيل النفط يقرر: البنزين بــ70 ألفاً
فرض كارتيل النفط رأيه على وزارة الطاقة، التي تشير المعلومات إلى أنها ستصدر جدول أسعار جديداً للمحروقات اليوم، على أن تُحدّد سعر البنزين بسبعين ألف ليرة وسعر المازوت بـ٥٥ ألفاً. وكانت شركات النفط قد اعترضت على جدول الأسعار الذي أصدرته الوزارة الإثنين، وحددت فيه سعر البنزين بـ61 ألف ليرة مقابل 46 ألفاً للمازوت، معتبرة أن الجدول لم يراع السعر الفعلي للدولار. وقد تبيّن حينها أن الشركات تعتبر أن متوسط سعر الدولار في السوق يجب أن يحتسب بين 17 و18 ألف ليرة، في حين أن المديرية احتسبت متوسط سعر الأسبوع الماضي، أي 15 ألف ليرة، انطلاقاً من أن الشركات تجمع الدولارات قبل أسبوع من دفع ثمن الشحنة. إلا أن هذا المنطق لم يقنع الشركات المتحكّمة في القطاع، فأحجمت عن تزويد السوق بكميات كافية لإنهاء الطوابير الطويلة على المحطات، فارضة على الوزارة التراجع عن قرارها.