نحو 60 في المئة من المعلمين يرون أن الامتحانات الرسمية ستكون شكلية، ويقول 46 في المئة منهم إنها ستكون خسارة للوقت وهدراً للمال العام، في حين يشير نحو 23 في المئة إلى أنها ستكون ظالمة، ويعتقد نحو 22 في المئة أنها ستكون عادلة ومنصفة.هذه الأرقام أظهرها استطلاع رأي الكتروني موجه إلى معلمي صفوف الشهادات الرسمية استجاب له 618 معلماً ومعلمة كعينة تمثيلية (260 أستاذ ثالث ثانوي و358 معلم صف تاسع) في القطاعين الرسمي (296 معلماً)، والخاص (322 معلماً) من مدارس في مختلف المناطق اللبنانية.
الاستطلاع بيّن أن نسبة حضور التلامذة لدى 23 في المئة من المعلمين في الصفوف المتزامنة خلال التعليم عن بعد كانت أقل من 50 في المئة (أقل من نصف الصف) في جميع صفوف الشهادات (تاسع وثالث ثانوي)، وسجلت نسبة بين 50 و75 في المئة لدى 30 في المئة من معلمين اخرين، فيما كانت نسبة حضور تلامذة صف التاسع الاساسي في التعليم الرسمي خلال الحصة التعليمية المتزامنة أقل من 50 في المئة، بحسب 50 في المئة من معلميهم، وأكثر من 75 في المئة حضور لدى 14 في المئة من المعلمين فقط، في حين اشار 65 في المئة من اساتذة التعليم الخاص إلى أن نسبة حضور التلامذة في صفوفهم لم تقل عن 75 في المئة من عدد تلامذة الصف، بينما قال 12 في المئة منهم إن نسبة الحضور في صفوفهم كانت اقل من 50 في المئة.
أما في ما يخص استبدال الامتحانات الرسمية بالمدرسية فقد أيد 87 في المئة من المعلمين ذلك في حين أكد نحو 64 في المئة ضرورة اجراء امتحانات رسمية لصفوف الثانوية العامة. أما معلمو الصف التاسع الاساسي الرسمي تحديداً، فأيد 92% منهم استبدال الامتحانات الرسمية بامتحانات مدرسية، في دلالة واضحة على عدم جهوزية تلامذتهم وخوفهم من خوض هذه الامتحانات.
وعن مدى تحقق الاهداف التعليمية عند التلامذة، أظهر الاستبيان أن مستوى التحقق كان منحفضاً لدى نحو 41 في المئة من المعلمين، ومنخفضاً جداً لدى 5.8 في المئة منهم، في وقت تبين أن 74 في المئة، وهي نسبة مرتفعة ومقلقة، من معلمي صف البريفيه الرسمي يعتبرون أن الاهداف التعليمية المشروحة عن بعد لم تتحقق بفعالية عند تلامذتهم او انها لم تتحقق على الاطلاق.
وحول مدى جهوزية التلامذة لخوض استحقاق الامتحانات الرسمية في المادة التي يدرسونها، أشار نحو 42 في المئة من المعلمين (ثانوي وتاسع) إلى أن درجة جهوزية تلامذتهم متوسطة، ونحو 38 في المئة منهم رأوا انها منخفضة، ي حين اعتبر 6.5% منهم انها منخفضة جداً. اما معلمو التاسع الاساسي الرسمي فقد لفت 60 في المئة منهم إلى عدم جهوزية تلامذتهم لاجراء امتحانات رسمية، في حين أكد 66 في المئة من معلمي التعليم الخاص جهوزية تلامذتهَم لخوض الاستحقاق الرسمي.
اما لناحية الوسيلة او التقنية المستخدمة في التعليم، فبين الاستطلاع أن نحو 61 في المئة من المعلمين استخدموا تقنية microsoft teams و27 في المئة استخدموا تقنية zoom، و11 في المئة تقنية google meet، وقد أفصح نحو 37 في المئة من المعلمين عن أنهم استعانوا بالواتساب بشكل كلي او بشكل مساعد لتقنيات أخرى.
لا شك في أن العودة الحضورية إلى الصفوف ولو لفترة محدودة كانت ضرورية على مستوى التفاعل بين التلامذة مع المعلمين ومع بعضهم البعض، إلا أن ذلك اقتضى شروطاً ملائمة لم تتوفر لتوجس بعض الأهل من إرسال أولادهم بسبب كورونا، أو تعذر انتقال التلامذة والمعلمين من المدارس واليها، بسبب عدم توافر وقود بشكل مستمر، ما فرض غياباً قسرياً وجعل العودة شكلية، ولم يتمكن المعلمون من اجراء تعليم تعويضي كاف وملائم للتلامذة، ولم يستكمل المنهج رغم تقليصه، في ظل ضيق الوقت المتضمن إجراء اختبارات مدرسية للتلامذة. هذا الواقع فرض الاستعداد للخضوع لامتحان رسمي في الدروس التي حُصلت غالبيتها خلال التعليم عن بعد.
تحليل نتائج الاستطلاع يعكس حجم المشكلات التي واجهها التلامذة والمعلمون خلال التعليم عن بعد، لا سيما لجهة عدم امتلاك التلامذة والمعلمين وأولياء الأمور المهارات الكافية، فضلاً عن قلّة الموارد الرقمية المتاحة، وضعف تفاعل التلامذة خلال الحصص، الغياب اللافت عن الصفوف المتزامنة لا سيما البريفيه في التعلم الرسمي. كما تكشف النتائج حجم الفجوة بين تلامذة التعليم الخاص والتعليم الرسمي لناحية الاستعداد والجهوزية للامتحان والحضور والتفاعل الصفي.
امام هذه المؤشرات القاتمة والتي تعكس غياب المساوة والعدالة التعليمية بين القطاعين الرسمي والخاص خلال التعليم عن بعد، خصوصاً في ما يتعلق بتلامذة التاسع الاساسي الرسمي، ثمة أسئلة يجب أن توجه الى متخذي قرار اجراء الامتحانات الرسمية والداعمين له، وتحديدا للمصرّين على السير بها للصف التاسع الاساسي، من دون تقديم اي حجة علمية أو تربوية. فاذا كان اصرار وزارة التربية على المضي قدماً بالسير في امتحانات الثانوية العامة رغم انها ستكون شكلية، ممسوخة الاهداف والمحتوى، وغير محققة لشروط الشمولية والمصداقية والأسس البيداغوجية والديداكتيكية، يأتي من باب الحفاظ على الشهادة الرسمية كهوية تربوية وامر سيادي للعبور نحو الجامعات لاسيما الاجنبية، فلماذا الإصرار على اجراء امتحانات رسمية للبريفيه رغم كل التحديات التي بينها غالبية المعلمين في الاستطلاع، وخصوصاً على مستوى تلامذة البريفيه الرسمي، ورغم ان هذه الشهادة لم يعد لها اي قيمة فعلية، وأن السير بها يحتم هدراً في الجهد والمال والوقت فضلاً عن الارباك الذي ستسببه في ظل كل الظروف الاقتصادية والمالية والتربوية وعدم جهوزية التلامذة التعليمية والنفسية للامتحان، وبالتالي ما الجدوى من هذه الامتحانات؟ وما مدى فاعليتها والهدف الجوهري الذي تسعى لتحقيقه غير إعطاء شهادات للتلامذة في تعلم ضعيف وتقويم هزيل؟ وهل اصبح المطلوب تسجيل انجازات على حساب التلامذة والمعلمين والاهالي ولو تضاربت مع المبادىْ التربوية والإنسانية؟ اليس من الاجدى ان توضع مصاريف امتحانات الشهادة المتوسطة الرسمية في صناديق المدارس الرسمية المتعثرة حتى تستطيع تحقيق انطلاقة مقبولة للعام الدراسي المقبل، أم ان الغاية عند البعض اصبحت تحقيق مكاسب خاصة بعيدة عن الاعتبارت الوطنية والانسانية والتربوية والاقتصادية؟ وهل المطلوب أن يبقى تلميذ المدرسة الرسمية هو الضحية الأكبر والحلقة الأضعف وأن يدفع فاتورة كل القرارات والغايات البعيدة عن حاجاته وتراعي ظروفه وامكاناته؟
ولماذا لم يمارس المركز التربوي للبحوث والانماء دوره المرجو مع متطلبات المرحلة ؟ لماذا لم يضع نماذج عن شكل وانماط الاسئلة التي سيمتحن بها التلامذة وكيفية التعامل معها؟ لماذا لم يجر اي دراسة بحثية ميدانية للوقوف على واقع المدارس والمعلمين والتلامذة خلال المرحلة العصيبة؟ اليس اجراء البحوث التربوية من مهامه، والتي يمكن من نتائجها استخلاص التوصيات التي يمكن ان تفضي إلى قرارات علمية تجنب القطاع التربوي الكثير من الارتجال؟ واين الخطة التي رسمها لتقليص الفجوة التعليمية وتحديد الفاقد التعليمي عند التلامذة خلال العامين الدراسيين اللذين تم الانقطاع فيهما عن المدرسة؟
*باحث تربوي